عددٌ من الأصدقاء مصدومون ويُولْولون أمام مشهد الانقسام المجتمعي الماثل أمامهم، وبعضهم يحتج على تدوينة سابقة لي في الموضوع.
منذ نهاية القرن الثامن عشر وتونس منشطرة (رأسيا) بين باشية وحُسينية، ولم تُطفأ نار الفتنة بينهما حتى جاءت ثورة علي بن غذاهم ... وظهرت بوادر اختراق أفقي يتجاوز ذلك الانقسام، ولكن سرعان ما عاد المارد من الشبّاك.... وتواصل الانقسام الرأسي ليأخذ اشكالا جديدة:
زيتونيون ومدرسيون؛ ثم بورقيبيون ويوسفيون؛ ثم حداثيون وهوويون ... إلى أن جاءت ثورة الكرامة 2010، وظهرت بوادر جديدة لاختراق أفقي ... سرعان ما استطاعت قوى الشر الالتفاف عليه ... وها نحن. سأسمح لنفسي بكثير من المبالغة، للقول إن ما نعيشه اليوم هو تقريبا نفس الانشطار المجتمعي الذي تقوده نفس الأنواع من النخب، وتستعمل فيه نفس الأسلحة ... تقريبا ... رغم اختلاف المساحيق ...
لا أحد من القوى الفاعلة في المجتمع - إلا ما ندر من الأفراد - قد وطّن نفسه بعد ثورة الكرامة لنشر هذا الجرح النازف على الطاولة ومواجهته بروح التجاوز البنائي المستقبلي. هل فهمتم كيف يصبح الاصطفاف نار جهنم جديدة؟ هل التجاوز ممكن؟ بلى ورب الكعبة.
دعوة ملحة لشباب اليسار الاجتماعي المتجذر في تُربته المحلية، والمتشبع بهويته العربية الاسلامية، والطامح إلى مستقبل كوني متصالحٍ مع كرامة الانسان بالمطلق، أن يبادر إلى اقتناص فرصة التخلص من سرديات الوهم المختلفة، والنظر إلى حقيقة واقعه بجرأة وعزم ... أن يجتمع ويواجه نخب الانشطار التاريخي التي باعت لنا - منذ قرون - هذا الشكل الهجين من الدولة الوطنية (وهي في الحقيقة لا دولة ولا وطنية) رحم الله مالك الصغيري.