خرجت صباح أمس أبحث عن فرح.. قلت لعلّي ظلمت نوبل وجائزته.. أو لعلّي من جيل الهزائم والخيبات وصرت غير قادرة على الفرح.. جيل نكبة 1967 ومجازر صبرا وشاتيلّا وغزو العراق.. جيل قصيدة الحزن لنزار قباني ويوميّات الحزن العادي لدرويش والحزن جميل جدّا لمظفّر النوّاب.. جيل بوجدان حزين يتلذّذ الحزن ويستعذبه فيبكي بحرقة وهو يشاهد صور القتل الدمويّ للفلسطينيين ويعيد مشاهدتها ليعيد البكاء..خرجت أبحث عن الفرح خارج قلبي..تفرّست في النّاس فلم أجد سوى وجوه مكفهرّة متجهّمة مقطّّبة عابسة .. بحثت عن البريق في العينين فوجدت انطفاء.. الكلّ يسرع إلى شيء ما ذاهلا..ما هذا؟ ما هذه الكآبة؟ لقد نلنا جائزة نوبل أيّها العالم؟ لم لم نخرج لنغنّي في الشّوارع ونرقص ونقرع الطّبول ونحمل اللّافتات ونلبس ثياب التنكّر ونقيم الكرنفالات؟ أين الفرح؟ لم لم ننفجر فرحا كما يوصينا محمود درويش ؟ هل نحذر خيانته؟ أين اختبأ؟ لم أنتم منشغلون عنه بالتّفاصيل الصّغيرة؟
تذكّرت كيف خرج شباب الثّورة في اليمن إلى الشّارع فرحا حين حصلت توكل كرمان على الجائزة في 2011 وكيف غنّوا وهتفوا.. ولكن لمن سيهتف شباب ثورتنا؟ ولمن يغنّون؟ هناك أمر ما أصاب هذا الهلامي المسمّى شعب..هناك شيء ما في الرّوح معطّب.. شرخ كبير.. كسر في القلب الجماعيّ.. عاطفة لم تتربّى على الفرح.. وعي بخدعة ما.. غرق في الهمّ اليوميّ..
في العمل قلت لصديقتي مازحة: مبروك علينا جائزة نوبل. قالت: نحن كالدّيك الذّي تغرق ساقاه في الوحل وهو يتبختر.
صديقتي من جيلي.. جيل الهزائم.. لأبحثنّ عن الفرح عند الشّباب.
في القسم قلت لتلامذتي الشّباب متهلّلة أبحث عن فرح في قلوبهم الغضّة التي لم يخالطها سواد الكهول: حصلنا على جائزة نوبل للسّلام نظروا إليّ ببرود ثمّ بعد صمت رهيب قالت مريم بلهجة قاطعة: لا نستحقّها. فجعت: لم يا مريم لا نستحقّها؟ صمتت وأجابتني خولة: لأنّها لم تمسّنا.. ما معنى يا خولة؟ غرق القسم في صمت آخر تخللّلته كلمة: الرّباعي وتساؤلات عن هذا الرّباعي ثمّ صوت عزيز: سلام؟ أنا لم أفهم سلام ماذا؟ آه يبدو أنّ قصص الرّصاص الطّائش وحكايات الإرهابيين والشعانبي تشغلك يا عزيز هكذا خمّنت. قلت لهم وأنا أغلق الباب والنّافذة بقوّه بعد أن انفتحا في هبّة ريح عاتية: كم أتمنّى أن يذهب بعض مال هذه الجائزة في إصلاح المعاهد وتحسين ظروف التّعليم. برقت أعينهم.
عدت أنكّس أعلام الفرح. في محاولة يائسة راسلت ابنتي وقلت لها: ارفعي رأسك عاليا هناك في باريس.. لقد حصلنا على جائزة نوبل للسلام. ردّت: لووول ماما.. مسكين نوبل.
طيّب أنت " طالعة لماما ".. والبقيّة؟
هذا شعب يحبّ الفرح لكنّه لا يريد فرحا مغشوشا. شعب يحبّ الفرح ولكنّ الفرح سرق منه.. وعلينا أن نبحث عن سارق الفرح..فمن سرق الفرح؟ لنبحث عن سارق الفرح لنضعه في سجن التّاريخ.