الأشباه.. بين العدوانية والعجز عن الحضور
ليس هناك من ذنب شبيه لآخر في الخلقة، لأن هذا من شأن الوراثة البيولوجية ،بل وقد يكون ذلك مدعاة للفرح. غير أن الشبيه الذي هو من قبيل خيال الأصيل أمر يدعو إلى النظر إذا ما كان همُّ الشبيه الدائم أن يتحول إلى أصيل ،دون أن ينطوي على إمكانية كهذه. إلا أن أكثر الصور فجاجة للشبيه هي صورة المثقف الشبيه. سواء كان مثقفاً شفاهياً أم كان كتابياً.
والمثقف الشبيه هو الذي أوتي حظاً من موهبة محدودة، فلا هي قادرة أن تعلو به إلى درجة الإبداع، ولا هي تدرجه في عداد العوام. ولهذا يسعى جاهداً بكل ما أوتي من محدودية الموهبة أن يحمل الآخرين على الاعتراف بأصالته وينال تصفيق العوام. وتتعين محدودية موهبته بعقل تقميشي. ، ولأنه ذو عقل تقميشي متوسط فإنه وسط بين العقل العام والعقل العبقري.
و ليس للتاريخ مهرب من وجود مثل هذه العقول. ولهم على أية حال وظيفتان، إحداهما إيجابية وهي ضرورتهم للحياة العملية. والثانية سلبية وهي عقدتهم العدوانية الناتجة عن شعورهم بالدونية . ولهذا فهم دائماً المزبلة التي يستورد منها المستبد كلاب حراسته ، وبخاصة تلك التي تقوم بالنباح على الأنوات المبدع.متوسط العقل هذا الذي يعيش عمره في حال الشبيه، يعيش على نحو دائم شعور عدم الرضا عن نفسه،يعيش عقدة الاعتراف من الأعلى .فهو قادر على الحصول على الاعتراف من الأدنى.
الشبيه هذا لا يجد أمامه للخروج من تناقض قدراته الذهنية المتواضعة مع طموحاته غير المحدودة إلا بالتطرف السلبي تجاه أعداء يصنعهم دون علم من الأعداء واكتراثهم، وإشهار لسان وظيفته اللعلعة والحسد والاعتداء طمعاً ،وقلم لا يجيد إلا القول الخالي من المعنى ،طمعاً في حضور وهمي.
الشبيه هذا – متوسط العقل- كأي شبيه آخر يعيش ما سماه هيدجر الوجود المبتذل، والوجود المبتذل هو عالم النميمة واللغو والشتيمة ،ومن الطبيعي والحال هذه أن يكون الأصيل هو العدو الأشد عند الشبيه.
الشبيه متخم بالعدوانية ولهذا هو لا يكتب وإنما يتقيأ عدوانية على الورق. الشبيه هذا وأمثاله لا يجدون أفضل من اللغو وسيلة للحضور الزائف، بل إنه لا يجيد غيره أصلاً.
هذا المتطرف السلبي الذي يظهر في صورة: الماركسي جداً ،القومي جداً ،الفاشي جداً،الإسلاموي جداً،الأكاديمي جداً الثوري جدا ليس متطرفاً بحق وبصدق، فللتطرف وظيفة إيجابية عندما يكون موقفاً صادقاً من الحياة، إن التطرف بالنسبة إليه هو وسيلة للحضور ،للظهور ولا يمارسه إلا ضد الحضور.
الشبيه هذا – المصاب بعقدة الخصاء- هلع من الصفات التي يخلعها أهل المعرفة على المبدع ، ويشتاط غضباً من كينونته لأنه لا يستطيع أن يكونها. الشبيه هذا وأشباه الشبيه يحولون إحباطهم الفردي وعجزهم الوجودي إلى نزعة عدوانية.
إنه وقد صار عاجزاً عن الحضور راح يطلق النار على الشخص المبدع وليس على إبداعه، فهو ليس بمقدوره أن ينقد الأفكار والآراء، لأن نقداً كهذا يحتاج إلى تفكير، لكن الشبيه لا يفكر.
الشبيه هذا يعتقد أنه إذا عبّر عن انتمائه للثورة أو ذيّل اسمه بحرف الدال ،أو إذا تسلق على أكتاف الآخرين نال شهادة حسن الحضور. ومع ذلك كان يمكن أن نغفر للشبيه عدوانه – القيء لو ظل في حقل الجعجعة والقيء، لكن الشبيه تحول في عدوانيته أكثر أشكال الانحطاط الوجودي قذارة.حيث يلفق كلاماً كي يوقع الإيذاء بالنبيل.
ليس بالضرورة أن يكون الشبيه منحطاً إلى هذا الحد، لكن الأمر عند هذا الشبيه فاق تصور شعور بالخصاء والدونية، جهل معرفي، تطرف وظيفي، حس جمالي متدنٍ، انحدار أخلاقي، وانتماء زائف. لقد ترددت كثيراً في الكتابة عن ظاهرة الأشباه العقول الكسولة في أنموذجها العربي بخاصة الذي أشرت إليه . فأنا احتاج إلى جهد كبير كي أصل حد التواضع وألوّث قلمي بتناول شبيه بعينه.
لكني وجدت بعد تأمل: أنه من الحكمة العملية أن أجيب القراء عن سؤال وجيه: ما الذي يحمل الشبيه هذا على النيل من ذوي الحضور المركزي في حياتنا. لو كانت القهقهة تكتب – وبخاصة قهقهتي - لما احتجنا للكتابة، ولوفّرنا وقتنا لما هو أثمن. ولكن ليس في اليد حيلة.