تنطوي السخرية على معنى الاحتجاج، في الغالب، فضلاً عن إنها طريقة في مواجهة الخصم، وتوحد بين الإضحاك والاستهزاء. ويندر أن تجد نصوصاً في أدب الرواية خالية من مواقف سخرية، ونادراً ما تصادف علاقات بين البشر لا تكون فيها لغة السخرية حاضرة.
ولكن الحياة اليومية تعرفك، مصادفة، على سخرية صادرة عن شخص يتصف بالغباء والانحطاط الأخلاقي والجهل المعرفي، الشخص المتصف بهذه الصفات يتوسل السخرية طريقة في إخفاء غبائه وانحطاطه الأخلاقي وجهله المعرفي.
والمشكلة بالمسخرة الساخرة بأن لديها شهوة حضور دون أن تمتلك أسبابها، ولهذا فتراها تبحث مرة عن أشباهها حيث تسعد بوجودها معهم، ومرة تتطفل على النبلاء عل يصيبها حظ من الحضور.
وهذه المسخرة الساخرة، حين تسخر فإنها تضيف إلى صفاتها صفة الظل الثقيل، وثقيل الظل كائن منفر، لان وقع حضوره ثقيل ومزعج على النفس.
تعتقد المسخرة التي تسخر، وهي واعية إلى صفاتها، بأنها قادرة على حجب حقيقتها أمام الآخر، فتعوض عن غبائها بسوقية الاعتراض على الأفكار العميقة، وتخفي انحطاطها الأخلاقي بالصمت أمام جرائم الدكتاتور وطغامه، فلا تدري ما هو موقف هذه المسخرة من عذابات الناس، ولا من عذابات مدينته التي دمرها الطاغية، فيهرب من الموقف بكلام لا معنى له، ساخراً من الحالة، متخفياً وراء وعي زائف، لا يسمح له غباؤه أن يخفيه عن الآخرين.
المسخرة الساخرة المنحطة أخلاقياً تخفي جبنها وخوفها وراء أقوال مبهمة وضحكة الأهبل، والذي يضحك على ما يقول. ينكِّت ويضحك على نكتته.
وتخيل أيها القارئ العزيز حين تكون المسخرة الساخرة هذه حاضرة بين أهل المعرفة، وتتحدث بكل جهلها المعتق دون أي دخول في الموضوع الذي يتطلب معرفة.
وفي الطريقة نفسها الذي يخفي غباءه وانحطاطه الأخلاقي، يخفي جهله المعرفي. ولأنه غبي فإن طريقته في إخفاء جهله المعرفي تتسم بدورها بالغباء.
فيتحدث عن المشكلات الاجتماعية والسياسية المعقدة بعلموية ساذجة، وميكانيكية طفولية، ولأنه يحفظ جدول الضرب من واحد إلى عشرة فإنه يتخيل الحياة جدول ضرب.
المسخرة الساخرة لا علاقة لها بعالم الكتب، وما تخلقه من زاد معرفي، وعقله خالٍ من المفاهيم العلمية، وعوضاً أن يخجل من فقره هذا فإنه يسخر من المفاهيم بكل وقاحة الغبي.
والأنكى من ذلك فإن الصفات الآنفة الذكر من الغباء والانحطاط الأخلاقي والجهل المعرفي تترافق مع أعلى درجات الغباء العاطفي، والغبي عاطفياً شر مطلق، فهو خلو من عاطفة التعاطف مع الآخرين، والحزن على مصائب البشر المنتمي بالولادة إليهم.
والغباء العاطفي بوصفه بخلاً عاطفياً ينتج بالضرورة بخلاً مادياً، والبخل شكل من أشكال العبودية للأشياء، والخوف على أمواله من الإنفاق.
المسخرة الساخرة بزّاقة تخشى الاقتراب من الملح، لأنها إن اقتربت عادت إلى هلاميتها المقرفة.