بحكم علاقتي بالمسرح متابعة وممارسة، خلال فترة نهاية السبعينات أواسط الثمانينات، تلك المرحلة التي شهدت تحوّلات عميقة وظهور "مدارس" (أو تجارب جديدة) سمتها التجديد والجرأة. أذكر منها فرقة قفصة، فرقة النغرب العربي للتمثيل، المسرح الجديد، مسرح فو، المسرح العضوي، الخ.
ظهر الأمين النهدي في إطار نجاحات جماعية (أؤكّد على جماعية) لفرقة الكاف ثمّ لفرقة المغرب العربي للتمثيل، في أعمال أذكر منها: "أهل الهوى"، "القافزون"، "الكريطة" (مع نور الدين بن عياد والمنجي العوني وكمال التواتي الخ)… وكانت هذه الأعمال ذات صبغة نقدية لاذعة للتحولات الاجتماعية والسياسية آنذاك، ممّا جعلها تلاقي نجاحا شعبيا بارزا تزامن مع نجاحات "البرني والعترة" و"فيران الداموس" و"عمار بزور" و"أبو القاسم الشابي" و"صلاح الدين" (فرقة قفصة) وعلى مستوى أكثر "نخبوية" مسرحيات "العرس" و"غسالة النوادر" (المسرح الجديد) و"تمثيل كلام" (مسرح فو).
القطيعة الحاسمة في هذا المسار ابتدأ عبر التحاق الأمين النهدي (صحبة آخرين) بالعمل التلفزي (والتلفزة ملك الدولة والناطقة الرسمية باسمها الأوحد)… هذا الالتحاق زاد من شعبية الأمين النهدي الكوميدي ولكن على حساب "الالتزام" و"النقد"… في مرحلة لاحقة ومع نشأة "ثقافة العهد الجديد" التحق تقريبا الجميع بظلال الدولة وما توفّره من "راحة" Confort.
منذ بداية التسعينات إلى اليوم ما يجري على الساحة الثقافية والفنية هو تكريس لمفهوم الفنّان أو المثقف التابع المردّد لمقولات الثقافة المهيمنة…
إذًا لا جديد في مسرحية الأمين النهدي الأخيرة وكذلك الحال لمسرحية توفيق الجبالي الأخيرة… فالأمر منتظَر… جدًّا…