تحتاج الدّيمقراطيّة والحرّيّة إلى مناخ طبيعي، يغذّيها حتّى تنمو بصفة طبيعيّة،والمقصود بكلمة طبيعي، مناخ غير معاد لها،وهو مالم يتوفّر في الحالة التونسيْة والعربيْة عموما.
ولن تعطي الدّيمقراطيّة ثمارها المرجوّة بمعزل عن تحسّن الوضع الإجتماعي والإقتصادي وهذا أيضا لم يتوفْر في الحالة التّونسيّة، طيلة عشريّة التّأسيس الدّيمقراطيّ ،التقى عليه عجز الحكومات المتعاقبة في تحقيق ولو القليل من مطالب الثورة، وعنف الثّورة المضادّة وانقسام القوى الثّوريّة. فمن كان في السّلطة، كان همْه الأكبر، الإحتفاظ بها إلي حدّ الهوس وبأيّ ثمن وبأيّة تسويات. ومن كان خارجها، لم يدّخر جهدا لإسقاطه،بنفس الهوس ومهما كانت الأثمان.
وهنا يطرح السّؤال لماذا فشل الإنتقال الدّيمقراطيّ في تونس وقد كان آخر حدائق الثّورات العربيّة،و قد ساد الإعتقاد بأنّه استثناء في محيطه العربي؟
ثلاث آفات أفشلت الإنتقال الدّيمقراطيّ في تونس :
*فشل الإنتقال الإجتماعي والإقتصادي ولهذا أيضا أسبابه منها، التّسويات الفوقيّة بين القوي المتنافرة على حساب مطالب الشّعب،ومنها أيضا عدم الإستقرار الحكومي والسّياسي.
*اعتبار الأشكال الدّيمقراطيّة وحدها كافية لبناء ديمقراطيّة ناجزة وفعّالة،يؤمن الشّعب بجدواها، عندما يرى تحسّنا في أوضاعه المعيشيّة، في هذه الحالة فقط، يمكن أن يدافع عنها.
*بعض النخب (وخاصّة من المؤدلجين) وإن رفعوا شعار الدّيمقراطيّة وزيّنوا به خطاباتهم من نوع "قوي تقدّميْة"، فهم يؤمنون في قرارة أنفسهم لأسباب لايمكن أن يلجها غير عالم الإجتماع أنّ الدّيمقراطيّة غير صالحة في العالم العربي والإسلامي او هي وجدت لغيرنا.ولم يؤمنوا في قرارة أنفسهم بأنّها العلاج الأوحد لحلّ مشاكلنا وإدارة اختلافاتنا تأسيسا لعيش مشترك،من أجل مشروع حضاري تونسي، يسهم فيه الجميع، ويعود بالنّفع على الجميع.