ما حدث من "تشويش" على عدد من العروض المسرحيّة هذه الصّائفة ،أدّى إلى إيقافها، لافت للإنتباه، من جهة أنْه غير مسبوق ومن جهة عدد العروض التي طالها "التّشويش"!!
مقداد السّهيلي منع عرضه في مدينة المنستير بسبب موقف قديم من الرّئيس بورڨيبة، لمين النّهدي قاطعه الجمهور وانسحب من العرض، لأنّه لم يجد فيه ما يشده إلى البقاء، ثمّ اتي الدور على لطفي العبدلّي. العرض أوقفه امنيّون بحسب ما صرح به المنتج"محمد بوذينة" وأضاف بإنّ العبدلّي تمّ تهريبه مع "الماتريال خايفين عليه"واضاف "ناوين نهجّو من ها البلاد"!!
أيّا كانت أسباب التّشويش على العروض المسرحية من انسحاب للمتفرجين في حالة لمين النْهدي ومن منع العرض كما حدث في المنستير ومن إيقاف العرض، كما حدث مع لطفي العبدلّي، فإنّ ما حدث يضعنا وجها لوجه أمام سؤال محيّر: لماذا الآن وبهذا الشّكل العنيف؟
هل اكتشف النّاس فجأة ضعف الأعمال المعروضة من النّاحية الفنّيّة؟ومتى خلت السّاحة الفنّيّة في أيّ بلاد من الضّعيف والرّديء؟ وهذا الأمر لا يمكن أن يخوض فيه سوى المختصّين في النّقد الفنّي. وليس مقبولا أن يكون متروكا لمن "هبّ ودبّ". وهل اكتشف المعترضون على الأعمال الفنّيّة فجأة اهمّيّة الأخلاق والذّوق (وهو أمر مطلوب) غير أنّه لا يمكن أن يكون ذريعة لتكميم الأفواه؟ أليس للأمر بواعث أخرى، ليست بعيدة عن السّياسة؟ ومتى خلت السّاحة الفنّيّة في أيّ بلاد ومنذ القديم من أعمال فنّيّة رديئة؟ ثمّ إنّ كثيرا من الأعمال الفنّيّة لو وزنت بميزان الأخلاق وحده، ما كان لها أن تمرّ.ألم تكن "مدرسة المشاغبين" مليئة بالإيحاءات الجنسيّة وكذلك مسرحيّة "الزّعيم" ومع ذلك فإنّ النّاس لايملّون من تكرار مشاهدتهما؟ ولو تمتّ مصادرتهما في حينها ما شهدنا بعد ذلك إبداعا لعادل إمام وسعيد صالح.
إذا كانت الحرّيّة مطلوبة للجميع، فإنّها مطلوبة بدرجة أكبر في الأعمال الفنّيّة، ويبقى النّقد الفنّي الغربال الذي ينخلها لتمييز الجيّد عن الرّدىء، بعيدا عن الغوغائيّة والأفعال الإنتقاميّة، بسبب "لعنة التسّيّس والتّسييس". وتبقى للمتفرّج الحرّيّة في ما يشاهد بعيدا عن الوصاية ولو بداعي "حماية الأخلاق الحميدة والذّوق العام".
غير أنّ هذه الأسئلة الملحّة، لا ينبغي ان تحجب بعض الحقائق، منها ما قيل عن الرّداءة الفنّيّة، ذلك أنّ كثيرا من الفنّانين، لم يطوّروا من أنفسهم، حبسهم عن ذلك،رغبة عارمة في الإضحاك بأيّ شكل ولو باستعمال لغة سوقيّة واستعمال كلمات نابية وحركات مستفزّة بميزان الأخلاق والذْوق.. تجمّد هؤلاء عند "الوان مان شو"، جعل منهم مجرّد"سكاتجيّة". كما أنّ الخوض في السّياسة بطريقة فجّة، إمّا من جهة التّزلّف وإمّا من جهة المعارضة، أسهم إلى حدّ كبير في إضعاف العمل الفنّي، وهو ما أدّى إلى هجرة الجمهور للمسارح.