زمن بن علي... ربي يرحمو... كان التعذيب سياسة دولة.. وكان الكذب أيضا سياسة دولة... فكانو في الدعاية الرسمية الخشبية... يروجون لمنظمات حقوق الإنسان العالمية... ولهيئات الأمم المتحدة المختصة في حقوق الإنسان.. أن التعذيب حالات فردية، وأن القضاء مستقل في تونس، وأنه يقع تتبع كل مقترف للتعذيب.. لكن الجلادين كانو دائما فالتين من التتبع والعقاب.. إلا في حالات شاذة جدا…
وانا شخصيا قدمت الكثير من الشكايات... علاوة على غيري من الزملاء...وكان ذلك فقط لتسجيل موقف، لأنها تبقى دائما بدون بحث...وفي اغلب الأحيان تحفظ مباشرة إثر إيداعها لدى النيابة...هههه… وكنا في المرافعات أمام قضاء موظف...نطلب بطلان الإجراءت، لأن التصريحات المنسوبة للمتهم لم يصرح بها وأجبر على الإمضاء على المحضر المعد من طرف الجلاد تحت التعذيب، بدليل انه قال عكسها أمام المحكمة بحضور محاميه....
وكنا نطلب العرض على الفحص الطبي لما تكون آثار التعذيب لا تزال بادية عليه...لكن المحكمة ترفض معاينتها...وترفض مطلب العرض...ثم تصرح بالإدانة…
وكنا دائما نجد في نسخ الأحكام الحيثية الشهيرة "الباتو" الموجودة في كل القضايا.. والتي دخلت في التاريخ في عشرات الآلاف من القضايا سواء كانت قضايا سياسية أو حق عام...والتي أعدت فيها محاضر البحث تحت التعذيب... كانت تدعي تلك الأحكام فيها ان "تراجع المتهم أمامها في تصريحاته المسجلة عليه لدى باحث البداية هي للتفصي من العقاب"!!! ههههه ههههه ههههه …
وللتذكير، فلما استشرى التعذيب خلال التسعينيات من القرن الماضي... وادى إلي موت العشرات من المعارضين لبن علي في صفوف حركة النهضة ولدى مساجين الحق العام... قررت الهيئة المديرة للرابطة التونسية، للدفاع عن حقوق الإنسان التي كان يرأسها آنذاك الأستاذ توفيق بودربالة، إعداد تقرير للجواب على تقرير الحكومة الدوري المقدم للأمم المتحدة في مجال احترام حقوق الإنسان..
والذي كان تقريبا كاذبا من ألفه إلي يائه...هههه
فتكفلت لجنة بإعداده...وتولى الصديق مالك كفيف عضو الهيئة المديرة إعداد بسط شامل من خلال الشكايات التي وردت للرابطة حول التعذيب والقتل تحت التعذيب...وتولت العزيزة الأستاذة راضية النصراوي تجميع شهادات العائلات التي استقبلتهم حول تعذيب ذويهم المعتقلين، وما تتعرض له العائلات من هرسلة يومية (وكان مكتبها يملى ويعبي وقتها من هول الانتهاكات)...وتوليت أنا تجميع ما أمكن من شكايات ضد جلادين فالتين من العقاب ومآلها...وتبيان اوجه مخالفة القانون الساري المفعول والاتفاقيات المصادق عليها من الدولة التونسية وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية...وحتى دستور 1959..وذلك بالتعاون مع المناضل علي بن تغرويت (علي الشابو..هههه) عضو هيئة فرع بنزرت لرابطة حقوق الإنسان آنذاك…
وقدم ذلك التقرير للجنة الأمم المتحدة.. بتنسيق مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان.. ومع لجنة احترام حقوق الإنسان والحريات التي كان مقرها بباريس ويرأسها آنذاك الناشط كمال الجندوبي وتضم ناشطين ديمقراطيين من مختلف الحساسيات (وعليهم كشف أسماء بقية الأعضاء المؤسسين.. لأنهم قدمو خدمة كبيرة لحقوق الإنسان زمن الإستبداد...وشخصيا اكتشفت عضوة منهم بالصدفة منذ أيام رغم تعاملي المتواصل مع من هم في الصورة بوصفي مسؤول في رابطة حقوق الإنسان.. هههه)
وإثر ذلك...حصل ما لم نكن نترقبه...والحق يقال... لأننا كنا نضغط على الإستبداد بدون أمل كبير في النتيجة...ولكننا كنا نعتبر أننا ليس لدينا من وسيلة سوى الضغط والتسهير المتواصل…
لكن بعد أن قدمت اللجنة الأممية توصياتها لنظام بن علي.. وفضحته في العالم على الملأ.... وقد كانت الأنتهاكات عديدة وخطيرة...رغم كذبه المتواصل إما في خطبه الموجهة للشعب، أو عن طريق ازلامه لديها... ومن بينها إحترام شروط المحاكمة العادلة وبالتبعية ضرورة إطلاق سراح المساجين الذين لم يتمتعو بها، وإدخال جريمة التعذيب في التشريع التونسي،.. وغيرها من التوصيات... وتجدونها في تقرير اللجنة عند الشيخ قوقل.. ههه…
أثر ذلك... قرر بن علي ذات صباح في سنة 1999، وتهربا من الضغط الخارجي... إطلاق سراح حوالي 600 محكوم في محاكمات جائرة من النهضة.... وبدون إلزامهم بالمراقبة الإدارية اليومية العادية...وهو إجراء فاشي يلزمهم بالذهاب يوميا إلى مركز الأمن أثناء الدوام الإداري لتسجيل حضورهم به، مما يحول دون تمكنهم من عمل قار في الساعات العادية للعمل (إدارة، شركة، معمل...الخ)
وللتظاهر بأن تونس تحترم اتفاقية مناهضة التعذيب الذي أمضى عليها بنفسه سنة 1988، قرر أيضا الكذاب بن علي إثر ذلك، إضافة فصل جديد للمجلة الجنائية... هو الفصل 101 جديد... الذي وردت به عبارة تعذيب، لكنه جعل منها جناية بسيطة لا تتجاوز العقوبة فيها عشر سنوات، ولا تستغرق أغلب الأفعال المكيفة كتعذيب في الإتفاقية التي أبصم علبها، من قبل…
وهذا إثر الثورة، وقع تجاوزه نسبيا، فنقح هذا الفصل بضغط من رابطة حقوق الإنسان زمن حكومة السبسي...باعتماد مفهوم التعذيب المعرف في الاتفاقية...لكن دون اعتبارها لا تسقط بمرور الزمن...ودون الترفيع كما يجب في العقوبات الرادعة…
إنه صعب التخلص من رباية الإستبداد... ممن تفرمتو عليه... هههه
ولكن... ورغم تغيير القانون... وادخال جربمة التعذيب.... وتشديد العقوبة نوعا ما ، بقيت دار لقمان لبن علي على حالها، وبقي الإفلات من العقاب... وبقيت سياسة الكذب الرسمية هي السياسة الرسمية... ههه... إلى حين هروب بن علي…
ولقائل ان يتساءل لماذا ذكرت بهذا؟
لأن سياسة سلطة الأمر الواقع منذ الإنقلاب على دستور الثورة الديمقراطي، في مجال حرية الصحافة والتعبير، تتبع في هذا الإتجاه... وبنفس الكليشيات... وكأنها تعنعن فيها.. ههه
ذكرت به... لأني أشاهد وأسمع، وفي الحقيقة بدون استغراب، ما يحدث في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة... الذي نسجل فيه تدهور واقع الصحافة وحرية التعبير مقارنة بما هو الحال في بلدان أخرى... للحضيض بعد ثورة حرية وكرامة من أولى مكاسبها حرية التعبير... وجعلت تونس في مرتبة محترمة بين الدول... ولو أنها ليست ما نريد... بعد عقود من الظلام في المجال…
ذكرت به لأن تعامل سلطة الأمر الواقع المستبدة مع حرية التعبير وحرية الصحافة، هي اليوم بمنطق "معيز ولو طارو"... كما كان يحصل زمن بن علي مع جريمة التعذيب... أعلن خطابات كاذبة وأفعل عكسها تماما في الواقع…
أساليب الاستبداد، هي نفسها مع كل الحريات...وكنا جربناها من قبل مع نظام بن علي، وكانت آنذاك ممارسات جديدة عندنا، لما تقول شيئا في علاقة بحقوق الإنسان وتفعل ضده تماما…
هذا كان جديد علينا مع بن علي، لأنه على خلافه كان بورقيبة من قبل، له على الأقل جانب مهم من الصراحة.... عندما كان يقول مثلا ان الشعب ليس في حاجة للديمقراطية مادام لم يخرجه من التخلف…
وكان يتبنى نهج القمع وانتهاك الحقوق والحربات صراحة، ثم من بعد يعفو على المنتهكة حقوقهم من طرفه، على أساس أنهم "اولاده"... هههه…
وأسس محكمة أمن الدولة وحاكم فيها معارضيه بكل وقاحة... ولما طالبت الحركة الديمقراطية بحذفها، حذفها بن علي بعد انقلابه عليه، لكنه أوكل للمحاكم العادية التي وظفها... بأن تنتصب مكانها لمحاكمة معارضيه في محاكمات جائرة، بنفس التهم ونفس الاجراءات المنتهكة لشروط المحاكمة العادلة... في كل الولايات!!!
ولكن في هذه المرة أيضا، ورغم ان دستور البناء القاعدي يتظاهر بضمان حرية التعبير ورفض الصنصرة.. فإن التاربخ يعيد نفسه... بقول الشيئ والعمل على ضده... كما كان يفعل بن علي هههه .....
وهو سلوك كل حاكم مستبد في العصر الحديث، مجبور على عدم التصريح بمعارضة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وعلى الكذب حتى لا يصبح منعوتا بالخزي والعار بين الدول ولدى الرأي العام العالمي..
ولكن أيضا... لما لتاريخ يعيد نفسه...فهذا يكون بالضرورة في شكل مهزلة... لكن المهزلة الحالية هي من النوع الكاراكوزي... هههه …
وذلك لأننا في عصر التواصل الإجتماعي والكل له هاتف ذكي، ويمكنه النشر.. وهذا يعني ان له جريدته ااخاصة... والإطلاع على ما ينشر وما نشر من قبل وفي كل مكان، وتكذيب الكذابين.. ولذلك فإن المقولة التي تقول ان الكذب حبله قصير، أصبح عمر الحبل فيها...في عصر التواصل الإجتماعي يعد لبعض الدقائق... تكفي للقيام ببضعة كليكات... للتثبت من صحة الكذب... وهذا لم يكن متوفرا للجميع في عهد بن علي... ههه …
فبحيث... حبل الكذب قصير... في التعذيب... والإعلام... وكل انتهاكات حقوق الإنسان... والضغط ديما يجيب.. هههه... مهما كان المستبد... وتنجمو تسميووه هذا تيوورام... هههه …
وبحيث... يا ويل أولائك التبريريين عديمي الأخلاق... غدا... من حنق من أضرو بهم، وشاركو الإستبداد في التنكيل بهم، وانتهاك حقوقهم... فهؤلاء هم ازلام الغد... وحتى لو فسخو تدويناتهم من حساباتهم وصفحاتهم عندئذ، فهي ستبقى خالدة لدى الشيخ قوقل، وفي حسابات وصفحات وهواتف من نسخوها من ضحاياهم، ومن ضحايا الإستبداد الحالي... أين يتعذر عليهم فسخها... هههه…
وسيبقى الحقوقيون كالعادة، يطالبون لهم بالمحاكمات العادلة... فتلك هي مهمتهم... وواجبهم…