حيثما حلّ، نزل معه الموت والخراب، وفي كلّ بلاد ،تروى عنه قصص التّوحّش، إنّه صاحب السّمعة غير المحمودة "بريغوجين"، مالك شركة القتل والإبادة "فاغنر" ذات السّمعة السّيّئة. ينشرالموت والرّعب أصالة عن نفسه ووكالة عن رفيقه "بوتين" الذي سمّنه واطلقه في بؤر التّوتّر، ليكون ذراعه الباطشة بخصومه وخصوم الانظمة الحليفة لمولاه ومالكه والمتصرّف فيه. كبر التّمساح،وذاع صيته ثمّ عاد إلى موطنه، بعد أن اكتسب مهارات جديدة من التّوحٍش، اكتسبها في ليبيا وفي سوريا وفي إفريقيا. لم يخطر ببال سيّده ومولاه، أنّه قد يتمرّد عليه ويعلن العصيان المسلّح.
تمساح ما بعد الحداثة او" طبّاخ بوتين"كما يسمّيه الرّوس ،رأي أنّه اكبر من أن يتلقّي الأوامر من قادة عسكريين فاشلين، يعتبرهم مجرّد موظّفين عند صديقه" بوتين"، فلم يتورّع عن لعنهم لعنا كبيرا، وحمّلهم مسؤوليّة خذلانه في أوكرانيا. بوتين يريده نصرا باسمه وتحت راية قوّاته النّظاميّة، كي لا يخسر هيبته ولا تخسر قوّاته شرفها. بيما "بريغوجين"، يريده انتصارا، لا ينكر دوره فيه ولا يقلّل من توحّش، هو كلّ راس ماله في عالم متوحّش أصلا.
قصّة بوتين وبريغوجين فيها شبه كبير بقصّة حكْام السّودان المنقلبين بعضهم على بعض، أسّس عمر البشير "الدّعم السّريع" ليكون ردفا لعسكره وذراعه الباطشة بخصومه ، ومن سيرته نهل "حميدتي" ثمّ تآمر عليه مع قائد عسكره . ولم يمض وقت كثير حتّى توجّس المنقلبان الجديدان(حميدتي و البرهان) خيفة من مكر أحدهما بالآخر، فانقضّا على بعضهما،كأن لم يكن بينهما ماء وملح وانقلاب، والبقيّة حرب طاحنة، لا تبقي ولا تذر.
مشكلة بوتين و وبريغوجين وحميدتي والبرهان هي مشكلة كلّ المستبدّين عبر التّاريخ، لا يستخلصون الدّروس ، كلّ مستبدّ،يعتبر نفسه استثناء من التّاريخ، فإن وقع غيره، فهو بمنأي عن كلّ سقوط. ومشكل المستبدّين أنّ اصدقاءهم قبل أعدائهم يجب أن لا يأمنوا مكرهم،لأنّ في أعرافهم، لا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون. قائد فاغنر قضّي آخر ليلة قبل التّمرّد صديق بوتين المقرّب وذراعه الباطشة في أكثر من بلاد، ثمّ أصبح ودون مقدّمات مرتزقا، ومجرما و خرّيج سجون، وخائنا ومتمرّدا، وهي ذات النّعوت التي يطلقها برهان السودان على قائد دعمه.
تلاحقت أحداث التّوتّر في روسيا بصورة دراماتيكيّة وتراجعت بنفس السّرعة، وكأنّ شيئا لم يكن. على بعد مائتي كلم من العاصمة الرّوسيّة، يتوقّف مالك فاغنر عن الزّحف، قال:حقنا للدّماء الرّوسيّة، وردّ بوتين بنفس السّرعة على التّحيّة بمثلها فأسقط مساء كلّ التّهم التي نعت بها رفيقه صباحا. فهل يفعلها حميدتي و البرهان في السّودان؟ ذلك امر بعيد المنال إن كانا لم يفلحا في احترام هدنة لسويعات معدودات. في سيرة العرب الأولى ما يغني عن كلّ الأماني، دامت حرب بين حيّين أربعين سنة من أجل ناقة(حرب البسوس) فكيف إذا كان الإقتتال من أجل السلطة ومن أجل مناجم الذهب.