شكل "العبور الفلسطيني " من مجاهدي المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة صباح هذا اليوم السابع من اكتوبر تذكيرا بعبور الجيشين المصري والسوري في مثل هذه الايام قبل خمسين عاما لقناة السويس وخطوط الدفاع الاسرائيلية في هضبة الجولان، فقد شكلا كلاهما مفاجأة كبرى تركت آثارها على العقل الصهيوني، وغذت روح المقاومة في المجتمع العربي التي أنهكها المساومون والمطبعون ، لكن مفاجأة العبور المصري والسوري توارت تدريجيا بعد ان تم حشرها في "واقعية موهومة" لتنتهي عند شُرفة تُطل على بحور سراب غرق فيها الساسة العرب رغم أنها لم تمنحهم حتى الابتلال.
العبور الثاني الذي انجزته المقاومة الفلسطينية هذا اليوم بالعبور الى مستوطنات الاحتلال ، شكل مفاجأة لثلاث شرائح اسرائيلية هي شريحة القيادة السياسية والعسكرية(التي تعيش احساسا بان العرب لا يهاجمون بنفس ما كشف عنه الباحث الاسرائيلي تأمير عن القرارات المصيرية الاسرائيلية في دراسته عن العبور الاول)، والشريحة الثانية هي شريحة القيادة الامنية التي ظنت أنها مطلة على كل قرار صغير وكبير في العقل السياسي الفلسطيني، والشريحة الثالثة هي المجتمع الاستيطاني الجديد (المستوطنون الجدد الذين وفدوا من روسيا واكرانيا وعددهم يقارب المليون مستوطن) ناهيك عن دفع البعض من يهود العالم الى اعادة النظر في قرار احتمال الهجرة لفلسطين.
ومن المؤكد ان التصريح الشهير الذي أدلى به قائد المقاومة الاسلامية في لبنان قبل عدة أعوام من دعوته لمقاتليه ان يكونوا على استعداد لتنفيذ أوامر باحتلال مستوطنات في شمال فلسطيني ، هو ما جعل العقيد في الجيش الاسرائيلي أوري داوبا، قائد "اللواء 300"، يؤكد ضرورة التعامل مع هذا الاحتمال بجدية، وكانت المفاجأة انهم انتظروا الهجوم من الشمال فجاءهم الهجوم من الجنوب.
لا يحتاج الامر الى تفكير عميق لمعرفة ان اسرائيل في طور التفكير بالرد على الهجوم الفلسطيني، وقد يعمدوا الى الرد التقليدي لكنهم قد يعملوا على الرد بطريقة" تبدو وكأنها مفاجأة" لاستعادة التوازن النفسي للشرائح الثلاث التي اشرت لها، كما انها ستعمل على زيادة التضييق على العمالة والعبور التجاري والخدمات المدنية الى غزة ومنع دخول الوقود والأدوية وقد يمتد لمنع تنقل الطلاب …الخ.
ذلك يعني اننا نقف على اعتاب مواجهة شرسة وقد تفتح المجال للتوسع في نطاقها الجغرافي ، وهو ما سيتولد عنه نتائج منها:
أ- وضع كافة الانظمة المطبعة أو التي تعبد دروب التطبيع لتعبر اليه امام حرج دبلوماسي كبيير، بل لا شك أن قيادة أوسلو تعيش في وضع من الشلل العقلي والنفسي .
ب- المواجهة القادمة ستعيد طرح السؤال التالي: لماذا تقاطر "المجاهدون الاسلاميون الى افغانستان لمقارعة السوفييت ، بينما لا نرى مجاهدا واحدا من هؤلاء يقوم بأي عمل مقاوم مساندة لمجاهدين فلسطين، ولماذا ضخ الخليجيون مئات المليارات لدعم طالبان بينما : ايديهم مغلولة الى العنق" مع غزة ،وتقتصر مساعداتهم على اموال يراد توظيفها سياسيا لتطويق المقاومة او لضرب الانظمة التي ما تزال تنطوي –ولو- على الحد الادنى من الموقف الوطني.
ت- من المؤكد ان المواجهة القادمة ستتوقف في لحظة معينة، وسيبدأ التفاوض حول وقف اطلاق النار، وقد نذهب لدعوات مؤتمرات اقليمية او دولية ، واي دخول من طرف المقاومة في مثل هذه المفاوضات سيكون "كامب ديفيد جديد"، ويجب ان يكون الرد ان تقوم قوى محور المقاومة للدعوة الى مؤتمر دولي لمساندة المقاومة بكل الاشكال المتاحة من كل حسب قدراته ولكل حسب حاجته، فمحور المقاومة بحاجة لمزيد من الدعم والحركة.
ث- ادعو وبشكل صريح الى التمرد على قيادة التنسيق الامني، ومحاصرة أفراد هذا الجهاز بمنع التعامل الاسري والتجاري والمصاهرة وكل اشكال العلاقة معهم ، وعلى الانقياء من ما تبقى من حركة فتح أن يقودوا هذا الجانب،فمثلما يطالب الفلسطينيون المجتمع العربي بالتمرد على المطبعين، عليهم التمرد على اي علاقة مع أفراد جهاز التنسيق الامني.
ج- لا شك ان " طوفان الاقصى" سيزيد من التضييق على نيتياهو وحكومته الفاشية، وهو ما قد يدفعه الى التصرف برعونة غير متوقعة، اضافة الى احتمال تبادل الاتهامات بين القيادات العليا في اسرائيل حول مسؤولية ما جرى قد تصل إلى مستويات غير مسبوقة حتى لو لم يجر الإفصاح عنها…وقد يتسرب بعضها …
ح- من الارجح ان يغذي هجوم غزة مشاعر المقاومة بمزيد من الثقة في الضفة الغربية.
لقد اثبت رجال الله في غزة ان بيت العنكبوت كما اسماه رجال الله في لبنان هو كذلك ، لكن " الوعي العلمي والايمان بالحق الوطني وثبات المواقف " هو الاساس للوصول بنا الى النصر مهما طال السفر.
دعوتي للمقاومة بان تصدر تهديدا لإسرائيل بان هجومها على غزة بالشكل الذي يتم التهديد به " سيخلي مسؤولية المقاومة عن أمن وحياة الاسرى الصهاينة الذين جلبهم المقاومون معهم "..ولا شك ان حساسية المجتمع الصهيوني للموضوع البشري قد يترك اثرا في مثل هذه الحالة بخاصة إذا كان عدد الاسرى الصهاينة ليس بقليل.