ثلاثة اسئلة تتردد في كل وسائل الاعلام العربية والدولية حول مآلات "عملية طوفان الاقصى":
السؤال الأول : هل ستتسع دائرة المواجهة من مستواها المحلي الى مستواها الإقليمي ؟
السؤال الثاني: إذا بقيت في اطارها المحلي من حيث الجوهر ،ما هي الآفاق للمدى الزمني القريب والمباشر؟
السؤال الثالث: ما أهمية عملية طوفان الاقصى:هل هي ذات طبيعي تكتيكي ام استراتيجي؟
السؤال الاول: احتمالات اتساع المواجهة: وهنا لا بد من تحديد جغرافية المواجهة الإقليمية لو افترضنا وقوعها، فهي تعني انضمام محور المقاومة كله او اغلبه الى المواجهة بجانب حماس، ولو اردنا ترتيب احتمالات الانضمام- إذا وقع- فهو على النحو التالي: أولا حزب الله- ثانيا انصار الله –ثالثا ايران – رابعا سوريا .
أ- حزب الله: ان دخول حزب الله في المواجهة قد يأخذ طابع مواجهة ضيقة تبقى محصورة في اشتباكات على الحدود دون التعرض للمدن اللبنانية من قبل الطرف الاسرائيلي او للمدن الفلسطينية المحتلة في مناطق 1948 من قبل حزب الله ، وقد يتصاعد القتال وربما توغلات محدودة ، دون ايصال الامر الى المواجهة الشاملة الواسعة ، ويتحكم في ذلك :
1- مدى استمرار القتال في غزة ، فكلما طالت فترة القتال تزايد احتمال مشاركة حزب الله، لكن طول فترة المواجهة مرهون بجهود المجتمع الدولي لوقف القتال بخاصة مع تصاعد الخسائر في المدنيين والبنيات التحتية ، فالولايات المتحدة المنغمسة في صراعات كبرى (اوكرانيا مع الروس، توتر عالي مع الصين حول تايوان وحول استراتيجيات شرق الهادئ، ناهيك عن قرب الشروع في الحملات الانتخابية للرئاسة الامريكية وبخاصة في ظل توتر داخلي بين المرشحين الأقوى بايدن وترامب، كما ان تصريحات وزير الخارجية الامريكية عن "عدم وجود دلائل على مشاركة ايرانية" هو متغيرات تتكاتف لمنع التوسع في المواجهة.
2- ان البيانات الرسمية من روسيا والصين تؤكد على ضرورة التوجه نحو وقف التصعيد .
3- من الواضح ان اسعار البترول بدأت بالتصاعد ، فارتفاع اسعار البترول اربعة دولارات خلال اليومين الماضيين يعني تحميل الاقتصاد العالمي حوالي اكثر من 400 مليون دولار يوميا، وفي ظل التأزم الاقتصادي بخاصة في اوروبا فان الامر لا يغري على الدفع لاستمرار القتال او توسيعه بخاصة اذا اضطرب النقل في مضيق هرمز وباب المندب والبحر الاحمر.
4- لا شك ان الدول العربية بخاصة القريبة من منطقة الصراع حريصة على الوقف الفوري للقتال خوفا من تدفق مهاجرين من غزة الى الجوار او وقوع مظاهرات وتحركات شعبية تزيد من عدم الاستقرار الموجود اصلا في كل الدول العربية .
ب- أنصار الله : يطل انصار الله في اليمن على سواحل تمتد 442 كيلو متر على البحر الاحمر، وسبق لهم ان قاموا بعمليات عسكرية ضد بعض السفن في اعوام 2016 و 2017 و 2018 و 2020، وكان زعيم انصار الله قد هدد في نوفمبر 2019 بضرب اهداف اسرائيلية في البحر الاحمر ، ويكفي معرفة ان الحركة الدولية في البحر الاحمر تشمل مرور حوالي 4 ملايين برميل نفط يوميا من هذا البحر ، و 25 الف سفينة تجارية في العام الواحد، وهو ما يمثل 7% من التجارة العالمية بقيمة 700 مليار سنويا.
ت- ايران: تمثل ايران نقطة القلق الدولية الأكثر اهمية في حالة مشاركتها، وإذا تدخلت ايران في الصراع قد يصبح الشرق الاوسط بكامله ساحة صراع لا حدود لها. ويبدو لنا ان ايران لا تسعى للمواجهة المباشرة مع اسرائيل( نظرا لظروفها الداخلية ، والحصار الاقتصادي عليها، والرغبة الروسية والصينية في االتزام ايران مسار التهدئة)، كما ان اسرائيل ليس في مصلحتها العسكرية في الظروف الحالية ان توسع من دائرة المواجهة فيغيب هدفها المحدد في خضم جغرافيا جديدة للصراع ، لان ذلك سيجعل من " هزيمة حماس تماما" كما يخطط الاسرائيليون امرا اكثر صعوبة.
ث- سوريا: من المرجح ان لا تكون سوريا في المواجهة بشكل مباشر حتى وان بقيت محلية او اتسعت نظرا لظروفها الداخلية فهي تعيش توترا مع شمالها وجنوبها من أطراف مختلفة تركية وردية ومعارضة مسلحة (وهي لا ترد على الضربات التي توجه لها فكيف لها ان ترد على الضربات لغيرها)، لكنها قد تساهم معنويا وستعمل على مزيد من التقارب مع حركة حماس ومنحها فرصا جديدة للتواجد في سوريا لا أكثر.
الاتجاه العام:
يشير ما سبق أن احتمالات الانتقال الى حرب اقليمية واسع يبقى في حدود اضيق من احتمال الحرب المحلية ، ويتعزز ذلك بان القوى الدولية والاقليمية بل واسرائيل ليس في مصلحتها التوسع في المواجهة، وربما تلعب تركيا دورا في التهدئة مستغلة علاقاتها مع اطراف الصراع لاسيما اسرائيل وحماس ،مع استعانة بشيوخ دبلوماسية الانابة في قطر .
السؤال الثاني: المدى الزمني:
من الصعب ان يتوقف القتال قريبا، فالوضع اعقد من تسويته بسرعة في ظل تداخل القوات ، والوضع الحرج لحكومة نيتينياهو ، ووجود عشرات او ربما مئات الاسرى من الطرفين ، ناهيك ان التفاوض سيأخذ وقتا ليثمر وقفا للقتال بخاصة ان الشروط المتبادلة ستكون معقدة للغاية لايجاد حلول لها.
السؤال الثالث: اهمية عملية طوفان الاقصى:
ثمة مساران متجاوران في تقييم عملية الطوفان، المسار التشكيكي والخاضع لأوزار التجارب العربية السابقة يخشى ان تكون العملية نسخة من حرب اكتوبر ، انجاز عسكري يعقبه تراجع سياسي والدخول في مفاوضات على غرار كامب ديفيد وملحقاتها، وفي السياسة الطريق الى جهنم معبد بالنوايا الحسنة.
أما المسار الثاني فهو اعتبار ما جرى حلقة من حلقات صراع وجودي ستتجدد اشكاله دون نفي مضمونه، وأيا كانت النتائج فان حروب 1948 و 1956 و 1967 و 1973 و 1982 والانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية ثم من 2000 الى الآن ولم تتوقف المعارك مع لبنان ومع سوريا ومع غزة ، فالسمة العامة هي استمرار الصراع بغض النظر عن تمظهراته المختلفة ، والسمة الاهم في طوفان الاقصى هي تهشيم الثقة الاسرائيلية المبالغ فيها بالنفس، واعادة القضية الفلسطينية لواجهة الدبلوماسية العالمية، واعادة الثقة بخيار المقاومة بخاصة في حالة الصمود ، لكن لكل شيء ثمن، وما يجري في غزة من تدمير مخطط له جزء من الثمن، والترهل العربي يزيد الثمن اضعافا...ربما.