أهم ما كان قد قاله بايدن قبل زيارته وكرره أثناءها: "إذا لم تكن إسرائيل موجودة كان علينا إيجادها"، هذه أقوى جملة يمكن أن تقال لنفوس تزعزعت من الداخل، للقول إننا معكم، وللتذكير أيضا بدور اللوبي الصهيوني في حكم أمريكا، وبأدوار حلفاء أمريكا في إنشاء الكيان الغاصب من ألمانيا التي قامت بالمحرقة حتى تكون نتيجتها التخلص من اليهود من أوربا ورحيلهم إلى فلسطين، ودور بريطانيا التي احتلت فلسطين وكأن هدفها كان فقط تهيئتها لتكون "الوطن القومي لليهود" حسب ما جاء في وعد بلفور، ودور فرنسا الذي لم يقتصر على تصويتها لقرار التقسيم في 1947 وإنما خاصة تمثل خاصة في تزويد الكيان بالتكنولوجيا الذرية، حتى تضمن له بقاء أبديا في المنطقة.
بمعنى أن وجود الكيان الغاصب يدخل ضمن الأمن القومي لكل واحدة من تلك الدول التي تشكل العمود الفقري للحلف الأطلسي، وها إننا نراهم يتقاطرون الواحد بعد الآخر عليها، حتى يعيدوا الطمأنينة إلى النفوس التي اهتزت. جاء في اليوم الأول المستشار، ثم بايدن في اليوم الثاني، ثم الوزير الأول البريطاني ثالثا، وماكرون في اليوم الرابع. لعل القرعة هي التي وزعتهم هكذا.
ربما لم يسبق لهم أن تحمسوا لمسألة مثل تحمسوا هذه المرة، حتى وإن ضحوا بالقيم التي كانوا يصدّرونها لنا بمناسبة وبدونها حول الحرية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحماية المدنيين وقت الحروب الخ. ذلك أنهم شعروا بما استطاعت المقاومة الفلسطينية الباسلة أن تغرسه في الصهاينة من إمكانية زوال دولتهم من الوجود.
لقد عاش اليهود أزمنة في الشتات يحيي بعضهم بعضا: "غدا نلتقي في أورشليم"، تحية حوّلها الصهاينة إلى مشروع دولة، وها هي عملية طوفان الأقصى تعصف بها، وتقتلع ما كان يبدو أنه استقر في نفوسهم خلال خمسة وسبعين عاما من إنشاء دولتهم، فإذا بما صنعوه وحصنوه يبدو اليوم قابلا للزوال، وبأنهم مدعوون للعودة من حيث أتوا، إلى أوطانهم، وها هم يستظهرون بما يثبت جنسياتهم الأصلية، أمريكان وأنقليز وفرنسيس الخ. لقد انتهت في أعماقهم أسطورة العودة إلى أرض الميعاد، وهو ما لم يسبق لهم أن شعروا به في كل المواجهات السابقة مع العرب. وما العنف الهمجي الذي يمارسونه إلا دليل إضافي على أنهم يغادرون المكان.. العودة إلى أرض... الشتات هذه المرة.