منذ بدأ العملية الاسرائيلية ضد قطاع غزة في اعقاب عملية طوفان الاقصى، حدد نيتنياهو عددا غير قليل من الاهداف توارى بعضها واستقر بعضها الآخر، وشكل هدف " استعادة الاسرى لدى المقاومة الفلسطينية" هدفا ثابتا ، ويبدو ان نيتنياهو يبحث في آليات استعادتهم ،ولكن بقدر من الارتباك، ويبدو انه سيواجه عددا من البدائل على النحو التالي:
1- الاستعادة بالقوة العسكرية: ويبدو لي أن هذه الفكرة هي الاقل حظا للتحقق، فلو افترضنا ان عدد من تبقى بيد المقاومة هو 120 اسيرا، فان الوقائع التي مرت بها هذه المسألة تشير الى ان الاسرى موزعين بمعدل 1- 3 في اماكن مختلفة وعند تنظيمات مختلفة ، وهو ما يعني ان على القوات الاسرائيلية الوصول الى ما بين 40 الى 60 موقعا، لكن هذه المواقع سرية واغلبها تحت الأرض ، وتخضع لحراسات مشددة، وهو ما يعني ان معرفة اماكن تواجدهم شبه معدومة الا بالمصادفة او بحالات نادرة للغاية.
من جانب آخر فان سوابق الوصول الى هؤلاء الاسرى( اربع محاولات وصول) انتهت اما الى قتل الاسرى ومعهم قتل جنود آخرين وترك الجثث للأسرى عند المقاومة، او ان يقتلهم الجيش الاسرائيلي بالخطأ او بسبب الرعب ، وهو مؤشر على ان خطة استعادتهم بالقوة العسكرية هي خطة لم يتم تقديم اية ادلة على احتمال نجاحها ولو نسبيا.
ان العثور على ثلاثة اماكن فيها اسرى استغرق ثلاثة شهور ،فكم يستغرق العثور على 40 او 60 مكانا ؟ فإذا كانت مساحة غزة 365 كيلومتر مربع وبها 1350 نفقا طولها (حسب تقرير الكونجرس الامريكي) 498 كيلو متر، فهل يمكن نبش هذه المساحة وهذه الانفاق في ظل حرب مدن معقدة الى ابعد الحدود...لقد اصبح واضحا ان هذه الطريقة لن توصل الى اي نتيجة إلا قتل الاسرى او موتهم تحت قصف جوي اسرائيلي للأنفاق المكتشفة.
2- الافراج المتبادل عن الاسرى من الطرفين عبر الهدن المتلاحقة كتلك التي تمت خلال الشهور الثلاثة الماضية ، وهو ما يعني الجمع بين القتال والافراج والهدن، وهو ما سيستغرق وقتا طويلا ، ناهيك عن ان المقاومة ما عادت تقبل بالهدن او بالتبادل الجزئي طبقا لبياناتها .
3- وقف اطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية من القطاع مقابل افراج تام عن الاسرى الاسرائيليين وربما بعض الاسرى الفلسطينيين من القيادات ، وغالبا ستحاول اسرائيل ان يكون من تفرج عليهم من الفلسطينيين هم من تم اعتقالهم خلال الحرب الحالية.
4- قد تطرح اسرائيل خطة بديلة وهي ربط عودة المهجرين من شمال غزة الى مساكنهم بالافراج عن اسراها لدى المقاومة، وهو امر ستجد فيه اسرائيل امكانية لخلق فجوة بين اهالي شمال غزة وبين المقاومة التي على الارجح لن تقبل بهذا الشرط بصيغته هذه، لكن الرفض يعني تحمل عبء كبير من ايواء المهجرين او الخضوع للابتزاز الاسرائيلي في هذه النقطة.
5- القبول الاسرائيلي بتبييض السجون من الاسرى الفلسطينيين مقابل الافراج عن كل الاسرى الاسرائيليين، وهو امر من الصعب على اسرائيل قبوله.
وفي تقديري ، ستحاول الاطراف العربية الضغط على المقاومة لقبول الافراج عن كل الاسرى الاسرائيليين مقابل وقف اطلاق النار وانسحاب القوات الاسرائيلية والسماح بعودة المهجرين للشمال والتنازل عن شرط تبييض السجون، وهنا يجب توزيع الادوار بين تنظيمات المقاومة عبر توزيع الاسرى على التنظيمات الأقل صلة والاقل قابلية للابتزاز من جانب الوسيطين العربيين (قطر ومصر) .
ويمكن " من باب المماحكة التفاوضية " ان تقترح المقاومة نقل العسكريين من الاسرى الى اماكن آمنة(من باب الظهور بمظهر الحرص على حياتهم في ظل عدم الاستقرار في القطاع (مثل نقلهم الى بيروت او طهران او الجزائر، مقابل اطلاق سراح بعض الاسرى المدنيين الاسرائيليين بخاصة من النساء وكبار السن كبادرة "حسن نية").( من الضروري التنبيه هنا ان الولايات المتحدة لها عشرات السجون في دول أخرى وتعتقل فيها اسرى حروب من دول ثالثة. )
من جانب آخر ،لا بد للمقاومة ان تروج اخبارا عن سوء الحالة الصحية للأسرى الاسرائيليين نظرا لعدم توفر ظروف رعايتهم الغذائية والطبية والنفسية، وأن بعضهم اختفى تحت انقاض اماكن تم قصفها من الطرف الاسرائيلي..الخ من عوامل الاثارة للرأي العام الاسرائيلي.
من جانب آخر، لا بد للمقاومة من تعميق التنسيق في المواقف بينها وبين بقية محور المقاومة ،وضرورة وضع خطة متناغمة ،توزع فيها الادوار بشكل متفق عليه بين اطراف المحور لادارة التفاوض مع الطرف الاسرائيلي بقدر من الذكاء ،ولا يجوز ان يكون هناك تنسيق في العمل العسكري دون تنسيق في سياسات التفاوض.
انها الحركة بين طوفان الاقصى وطوفان قطار "ربما".