وأنا أستمع الى انعقاد اجتماع هادئ لتنسيقية أحزاب المعارضة منذ يومين )الجمهوري /التكتل/ التحالف الديمقراطي / حركة الشعب والتيار الديمقراطي ( للتعبير عن انشغالها ( بعد كل هذا الوقت ) ازاء وضع البلد على خلفية تناحرات الحزب الحاكم.. وأنا أواكب دعوة عصام الشابي وحزبه الرصينة الى تغيير الفريق الحكومي ووضع برنامج وطني يستجيب لمتطلبات المرحلة الخ الخ..دون نيّة استهداف رئيس الحكومة . ..كم تمنّيت ان تكون حكومة الترويكا ) بمافيها من غباء واخطاء وكفاءات موؤودة ( قد حظيت بكلّ هذا التصبّر والرصانة والتريث وانتقاء الكلمات بحسبان من أمثال هؤلاء في التعاطي مع ضعف خبرتها وآدائها الحكومي .
قد يهلّل البعض لخروج احد المعارضين عن الصمت الرهيب " واخيرا نطق احدهم....ولله يعطيه الصحة " فليس مهمّا ما يدلي به بقدر أهمية الخروج عن الصمت وتأكيد أنّ صوت المعارضة ليس جثة هامدة بعد .. فقد صار هذا طموح اللحظة ..
معارضة الأمس القريب كانت شرسة عنيفة متهكّمة على نحو مصعّد خطابا وممارسة .مجنّدة لها اعتبارات موضوعية متفاوتة ...
واليوم تلوذ بحرص وحذر كبيرين على تطريز الموقف وتليينه رغم استدعاء الواقع لخلافه في ظل واقع سياسي وآداء حكومي ليس أبدا أقل كارثية وضعفا من حكومات 2011 و2012 ينضاف لها فضائحية حضيض الحزب الحاكم واستمرارالنزيف الاقتصادي والاجتماعي.
لم نلمس جسارة النزوع الى ترحيل الحكومة الغبية والضعيفة وطرد مسؤوليها فاقدي الكفاءة والوطنية ، بوزرائها وولاتها وعمدها وحجّابها والدعوة الى محاسبة الحزب الحاكم لإدخاله البلد في دوّامة إرهاب صراعاته المافيوزية بدل انخراطه في حل معضلات البلد الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليميّة .
لم تبد غير الجبهة نزوعا ممسرحا للانقضاض على الحكم أرادت به الانسجام مع ذاتها المتورّمة ، لا موقفا معارضا جادا ينادي برحيل الحكومة لذلك لم يكترث له احد ...فقد تعوّد الجميع على جعجعة تبدو أقرب الى العرف الايديولوجي المرضيّ منه الى سلامة الموقف السياسي الناقد والمسؤول .
لا يختلف وضع المعارضة المترهّلة و " السكونية " اليوم عن وضعها ايّام بن علي بل ربما كانت حينها اكثر حراكا مقاوميا وإصلاحيا .. لماذا تجبن الاحزاب التي صنّفت نفسها من المعارضة عن ممارسة دورها الطبيعي ..لم تصمت حيث يجب ان تثور ، وتثور حيث يجب ان تصوّب وتقترح البدائل ؟؟ .من يرسم للمعارضة خططها ومساراتها ودرجة التصعيد والجمود والنمردة والانسحاب ؟؟ أهي الحسابات البراغماتية ..الانسجام مع متطلبات دوائر النفوذ داخلا وخارجا ؟؟ ام لا خطط لها وتسير اعتباطا وانفعالا غريزيا ؟؟؟
كان خروج نجيب الشابي من العمل السياسي الرسمي الى العمل المدني الذي يسمح بالتفكير حيويا في السياسة دون حمل وزر المسؤولية والمحاسبة السياسية ، احتراما لعمره البيولوجي والسياسي ولحدود إمكاناته في المناورة السياسية وحفظا لمجد تاريخه البعيد ، وإن لن تغفل ذاكرة التونسي عن خطايا تاريخه القريب ، فقد كان أحد المعبّدين للمسار الحالي حتى ان لم يشته ما ترتّب عنه..
قد يكون الخروج من السياسية من باب ضيّق هو الشرّ الأقلّ مرارة من الوجود السياسي االمائع والعدمي والسفسطي المهين ...والبحث عن البدائل الممكنة أمل قائم ..قد يُتسامح مع قدومها المتلكئ ، لكن لن يغفر لها بدائيتها وارتباكها وسقوطها السريع من الوجدان المواطني..