مخزي ان تدخل مدينة القيروان فيعترضك "مقفول" لطهي الكسكسي من الحجم الكبير في مدخل المدينة...و مؤسف ان تختزل مدينة القيروان في هذا المجسم او ذاك الذي في شكل زربية...بعيدا عن كل رموز مجدها و حضارتها و تاريخها و علمائها...في زمن حكومة الثقافة و التنوير…
اين المثقفين المتشدقين بحضارة ال300 سنة الا يعرفون انها تعود إلى عام 50 هـ / 670 م أنشأها عقبة بن نافع.حيث كانت مركزا تخرج منه الجيوش للغزو والتوسعات و كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.و بقيت حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية.
اين جهابذة الحضارة زملاء "الدكتورة" الفة يوسف الذين يستشهدون بالاولياء الصالحين الا يعلمون انها رمز إزدهار الحضارة من التأسيس الى عهد المعز بن باديس وقد نشأ فيها ابرز أعلام المذهب المالكي بإفريقية وأثروا بها الحياة العلمية والفكرية على غرار عبد الله بن غانم وأبي محمد عبد الله بن فروخ الفارسي والبهلول بن راشد أبو عمر.
اين اؤلائك العلماء الذين صدعوا رؤوسنا في المنابر الاعلامية بعلمهم الفياض و نظرتهم المستقبلية الم يسمعوا بالحياة العلمية والأدبية التي شهدتها القيروان في عهد الأغالبة عهد أسد بن الفرات و الإمام محمد بن سحنون والنشاط العلمي الذي وصل اشعاعه الى المشرق.
اين هم المفكرون و الجامعيون و عشاق الكتابة و الادب و الشعر على صفحات الفايس بوك الم يقرؤا عن ازدهار الثقافة والآداب بالقيروان في العهد العبيدي الصنهاجي و في العهد العبيدي الفاطمي الم يقرؤوا عن أبي الحسن القابسي ونظريته في التربية والتعليم وعن إبراهيم الحصري معلم الآداب وعن أبي علي الحسن بن رشيق وعن أغراض في شعره وعن أبي عبد الله محمد بن شرف.و عن ابن الجزار ألمع الأطباء الأفارقة و عن إبراهيم الرقيق القيرواني المؤرخ والأديب الم يتعرضوا لما أنجزه علماء العهد الحفصي من دراسات سواء أكان ذلك في الدين وعلومه أو في الأدب والتاريخ واللغة…
اليوم القيروان"رابعة الثلاث" كما اطلق عليها الفقهاء و العلماء هي اكبر رمز للفقر و التهميش و الجهل و اكبر ضحية لسياسات بورقيبة "الحداثي و التنويري" الذي كان سببا مباشرا في تجفيف منابع التفقه وتعلم اصول الإسلام و اقفل مدارسها الزيتونية و افرغ منها العلماء و لاحق البعض و سجن الآخر و سياسات الاستبداد "للجنرال" المخلوع الذي اكمل الرسالة و قتل كل تلك الحضارة و اهمل كل معالمها التاريخية و اختصرها في المقروض و الزربية و مقفول الكسكسي…
"المقفول" الذي صنع و نصب في عهد المخلوع و نزع في الثورة و رجع اليوم الى قلب القيروان ليعلم الجميع ان ورثته و ثقافته اقوى من سور المسجد الكبير…