شوية ثقافة سياسية في خصوص "المستقلين" والكفاءات...بمناسبة الإعلان الآن عن تشكيل الحكومة "المستقلة" الغنوشية...من المكلف بالتشكيل... المشاركة في الشأن العام...نوعان...هي في الشأن السياسي...وفي المجتمع المدني: نقابي...اجتماعي... اقتصادي... حقوقي...بيئي.. ثقافي...رياضي... الخ….
والمشاركة في الشأن السياسي في المجتمعات الحرة...هي قناعات ومواقف وممارستها... ويكون ذلك إما بالانخراط في حزب...أو بدونه مع المشاركة في النقاش السياسي والممارسة على مقتضاه... وهذه المشاركة تكون للصنفين الحزبي والغير الحزبي "المستقلون".. وذلك في مختلف أوجه الشأن السياسي....
ونرى ذلك إما من خلال المشاركة في السلط المنتخبة عن طريق الانتخابات التي يتقدم لها المتحزبون وغير المتحزبين تحت يافطة الاستقلالية... أو في الهيئات السياسية الحزبية... أو في الجمعيات السياسية التي تخضع لقوانين الجمعيات.... موجودة بكثرة في البلدان الديمقراطية...في شكل جمعيات نمطية... أو جمعيات ذات مصلحة عامة... او نواد للتفكير والمقترحات... او مراكز بحث... أو مراكز استراتيجية... الخ... وكلها تروج لمواقف سياسية رديفة للأنشطة الحزبية وينظم إليها المتحزبون وغير المتحزبين... وهي جمعيات تبعث بسعي من الأحزاب أو من انصارها.. لمساندة سياسات حزبية او للترويج لمواقفها... ولنا منها في تونس الآلاف...ومعظمها اسلاموية... بدون غض النظر عن الباقي طبعا ... ومثلها موجود في كل البلدان الديمقراطية... وهو حق لأعضائها ولكن في الوضوح وبدون مخاتلة خلف عنوان "الاستقلالية"…
ولذلك فإن المتداخلين في الشأن السياسي.. ان كانوا متحزبين... أو "مستقلين" على حد السواء...كلهم مصطفين حسب قناعاتهم ومواقفهم... والتزاماتهم السياسبة... في هذا الطيف السياسي او ذاك... ومن الكذب او المخاتلة او مغالطة الجماهير والناخببن الادعاد بخلافه...بما انهم منخرطين في إحدى التوجهات السياسية...ويروجون لها ويمارسون السياسة على مقتضاه...
اما الخبراء وما يسمونهم بالكفاءات... فهم موجودون في كل الطيف السياسي.. في المتحزبين.. وفي غير المتحزبين...على حد السواء.. ولهم التزامات حزبية ان انخرطوا فيها... او التزامات سياسية ان لم ينخرطوا بوصفهم أنصار لها... أو أصدقاء لها يشتركون معها في الموقف والطرح السياسي..
وقد روجت بعد الثورة فكرة غير صحيحة... مفادها انهم موجودون فقط خارجها... ساعدتهم عليها سلوكيات قيادات الأحزاب التي تصدرت المشهد في السلطة او في المعارضة... وهي بوعي او بدونه متفرمة عن عقلية الاستبداد والقائد الملهم الذي يعرف كل شي وهو صاحب الأمر والنهي... فحالت دون تشريكهم في القرار السياسي.... وبينت لهم بما فيه الكفاية انها لا حاجة لها بهم.. وما عليهم إلا الالتزام بالأمر والطاعة..
وحسب تنوع واختلاف القناعات والأفكار... نجد خارطة سياسية في المجتمع السياسي... وهي ليست خارطة حزبية لأنها تشمل المتحزبين وغير المتحزبين معا...وكل مشارك في الشأن العام منهم مصطف في إحدى مفاصلها...
القناعات والأفكار والممارسة السياسية والبرامج...هي المحددة لتقييم الشخص... ومدى نفعه للمجتمع... وهذا لا نراه في قصة التشكيل... للمكلف بالتشكيل عندنا... الذي يغطيها ويدمغج علينا بالاستقلالية والتثبت من عدم التحزب قبل التعيين... إلا إذا كان لا يفقه في هذا وهي مصيبة... ولا يصلح عندئذ لأن يكون المسؤول الأول في إدارة الشأن العام...
اما المشاركة في إدارة الشأن العام... فهو نوعان... إما في السلطة...او في المعارضة...ولا فرق بين متحزب وغير متحزب في الأنظمة الديمقراطية... طالما انه التزم بمسؤولية سياسية... لأن غير المتحزب... "المستقل" صلفا... وضعه في المسؤولية السياسية الحزب المتفق معه في المواقف والقناعات والسياسة... ولذلك فإنه والحزب الذي اختاره...متشاركون في المسؤولية السياسية...في صورة النجاح والفشل... وإلا لاختار غيره…
ففي المجتمعات الديمقراطية.... ليست هناك مشكلة في أن تكون متحزب او ان لا تكون... هو اختيار شخصي مدني لا حق لأي كان ان يتدخل فيه او ان يكون محل استنقاص من قيمة الشخص... ولا نجد هذا الاستنقاص الا في مجتمعات الاستبداد...لان الانضمام للحزب الحاكم هو مشاركة في حزب مستبد وفاسد يقوم لا على المبادئ... وإنما على الزبونية وتدبير الراس…
اما في مجتمعات الإنتقال الديمقراطي... فإن نجاح الأحزاب التي تبوأت المشهد في ادارة الشأن العام في تحقيق أهداف الثورة من عدمه... وقصر او إطالة المرحلة... للتحول بالمجتمع من مجتمع تحكمه سلطة مستبدة فاسدة... الي مجتمع تحكمه سلطة ديمقراطية تحترم حقوق المواطنة المدنية والاجتماعية... هو الذي يحدد مستوى الرضا والثقة في الطبقة السياسية التي تبوأت الحكم في تلك المرحلة... وكذلك المعارضة لما تفشل في طرح بديل عنها يغيرها…
ولذلك صوت الشعب التونسي في الرئاسة بكثافة "لمستقل" لأنه غير متحزب...رغم أنه لم يهتم بالشأن العام قبل الثورة ان لم يكن من "مستقلي" السلطة...ورغم انه برز بعد الثورة في الإعلام العمومي بقناعات هلامية واصطفاف سياسي ثورجي فوضوي شعبوي ومحافظ مجتمعيا في آن واحد…
كل هذا للقول...انه لا يمكن تأسيس أية ديمقراطية... إلا بوجود أحزاب ديمقراطية في السلطة...هي التي تعمل على تأسيسها...بمساندة ومساعدة المجتمع المدني... لأن الاحزاب غير الديمقراطية لا تأسس لضدها…
وان "الاستقلالية" خرمولوجيا سياسية تونسية...استبطنها ضحايا الاستبداد الخائفين من قمعه...وانضم إليهم من سئمو من طبقة سياسية فشلت في إدارة مرحلة الانتقال الديمقراطي... ان كانت في السلطة او في المعارضة... وهي تستغل من طرف من يمسكون بمقاليد التمكين...لمواصلة التمكين... ويزيدو فيه!!!
وللقول بأن حكومة المكلف بالتشكيل... هي حكومة الغنوشي ومن جاوره...ومن انصاع له... وان المكلف بالتشكيل ليس سوى رجل من تبن مكلف بمهمة... عنده...