ينطوي المجتمع، أي مجتمع في العالم، على حالين، حال الثبات، وحال التغير، والمجتمع المستقر هو ذلك المجتمع الذي يسير فيه التغير، مع ثبات الوظائف التي تقوم بها مؤسساته، التي تتطور بدورها بتطور المجتمع وتغيره.
إذاً المجتمع المستقر ليس هو المجتمع الراكد، بل هو المجتمع الذي يعيش سيرورته بشكل طبيعي دون أي عوامل تزعزع حركته وتدمر مؤسساته.
الاستقرار السياسي هو قيام الدولة بوظائفها بوصفها معبرة عن الكل، عن الأفراد والجماعات، واعتبار المجتمع هذه الدولة هي دولته، إذاً هي حالة تعبر عن الاعتراف المتبادل، وتطور وظائف الدولة بتطور حاجات المجتمع.
وقس على ذلك الاستقرار المجتمعي، فالاستقرار المجتمعي عيش الناس في مجتمع يتسم بالسلم الأهلي، والأمن الوطني، وأفراده قادرون على تلبية حاجاتهم بوسائل مشروعة، فضلاً عن ذلك فإن المجتمع المستقر هو الذي يعبر عن تناقضاته باللغة والتعبير والسلوك المدني، وبخاصة عن التناقض القيمي بين الأجيال والجماعات.
إذاً الاستقرار هو المجتمع الذي يتطور طبيعياً دون أي تناقضات عنفية، ويخضع لسنن التغير المجتمعي.
أما الاستقرار الزائف فيتمثل بالركود الاجتماعي الناتج عن الاستخدام غير الشرعي للعنف من قبل السلطة الحاكمة للحيلولة دون التغير الاجتماعي والتغير السياسي، وقمع الحاجات والعجز عن تلبيتهـا.
والحق أن أكبر خطر يواجه استقرار المجتمع هو خطر التناقض بين الحاجات وتلبيتها.
الحاجات الإنسانية تكثر وتكبر مع سيرورة الحياة وما تنجزه التقنية والعلم والسياسة من جديد، وجميع الحاجات هي في الأغلب مترابطة، ولا يمكن عزل حاجة عن أخرى.
فالحاجة إلى المواطنة لم تعد ترفاً، لأنها مرتبطة بتطور الشعور بالحق، والمواطنة تقف على النقيض من الدكتاتورية، وهنا ينشأ التناقض بين الحاجة إلى المواطنة لدى الأغلبية وبين الحيلولة دون تلبيتها من قبل السلطة، التي تجد خطراً في المواطنة عليها، فتقمــع تحققهــا الواقعي دون أن تستطيع أن تقتلعها من الوجــدان والشعــور. وهــذا مظهــر مــن مظاهــر الاستنقــاع.
وقس على ذلك الحاجة إلى المعرفة والاطلاع على كــل منجــزات العلوم والآداب والفنون، ولقد نمت هذه الحاجة مع تطــور وسائل الاتصال في العالم، وقد أدى قمع هذه الحاجة من قبــل السلطــة الدكتاتوريــة في العالــم إلى انزواء النــاس عن أيــة معلومــات تقدمهــا سلطــة تقــف أمام تدفــق المعرفــة.
ولأن قمع الحاجات في العالم يترافق مع قمع التعبير عن الاحتجاج على قمعها يسود الصمت المجتمعي، فتعتقد السلطة أن هذا الصمت هو الاستقرار، فتطمئن إلى استمرار الاستقرار الزائف وما يتولد عنه من ركود تاريخي مدمر، وتعتقد أنها قادرة عل حماية هذا الاستقرار الزائف عبر أعلى درجات استخدام القوة، بما فيها القوة العسكرية، دون أن ترى ما يعتمل خلف هذا الاستقرار الزائف.
وهكذا تكتمل دائرة الاستنفاع، وما هي إلى شرارة واحدة حتى ينفجر البركان داخل المستنقع الذي يتسع مع الأيام ويتعمق، غير أن انفجاراً كهذا لا يتوقف عند انفجار القوى العقلانية، التي ترسم مستقبل مجتمع يحقق فيه المواطن حاجاته، وإنما تنفجر أيضاً جميع القوى اللاعقلانية، ويكون ما يكون من نتائج من انفجار الحاجات.
احمد نسيم برقاوي:كاتب من فلسطين مقيم في الإمارات