إمبراطوريّة " السّوالم " .. تستغيث :

Photo

السّوالم - مسقط رأسي - قرية ريفيّة لم يتجاوز عدد سكّانها حتّى في أفضل عصورها الألف ساكن و لعلّها اليوم معمورةً بمئتي ساكن على أقصى تقدير فقد تشرّد أهلها في مختلف أنحاء العالم لإحياء روح سقراط أو للبحث عن حجر الحكمة أو النّبش عن بيض الفلاسفة .

تقول الأسطورة أنّ زعيم الوطن " حنّبعل " قد إختبأَ فيها لأيّامٍ طويلة إثر تقهقر جيوشه أمام الزّحف الروماني و لا تزال آثار دموعه الغزيرة موجودة هناك على شكل بركةٍ صغيرة لم ينضب مائها حتى في أكثر السنوات قحطا و جفافا حتّى أنّي لم أجد سببا غير ذلك في فهم تلك الدّوافع الغامضة الّتي تجعل أهل السّوالم أمهر البكّائين في التّاريخ على الإطلاق ذلك أنّهم لا يبكون بسبب فقرهم أو لظروفهم المعيشيّة و تصدّعاتهم النفسيّة بل هم يُطيلون البكاء آحتجاجا على حريق قرطاج و آندثار الهنود الحمر و مذبحة الحُسين و إعدام سقراط و آنتحار ماياكوفسكي و دمار بغداد و مقتل النبيّ يحي و آنتصار بني أميّة .. بل و يبكون دون هوادة إعدام " ويليام والاس " و ترنّح الأميرة ديانا و حملات شحن العبيد الأفارقة إلى أمريكا و أكاذيب الحداثة و براز الديمقراطيّة و فراغ هذا العالم الدّاعر من كلّ ممكنات المعنى و آمال الخلاص .

السّوالم هي القرية الريفيّة الّتي حلّت في المرتبة الأولى وطنيّا من حيث نسبة الجامعيّين على عدد السكّان فتفوّقت على كلّ المدن العريقة و الثريّة .. و برغم قلّة سكّانها فقد أنجبت العديد من الكفاءات الوطنيّة أذكر من بينها عمّار السّالمي ( الجلاصي( خبير النّفط العالمي و مُترجم أرسطو من اللغة الإغريقية إلى العربية ، و الحبيب السالمي رئيس قسم الأطفال بفرحات حشاد بسوسة و جميل السالمي رئيس قسم في مستشفى الأسنان بالمنستير و منصور السالمي أحد كبار الجرّاحين و محمد السالمي دكتور يدرّس بأمريكا و محمّد الآخر الخبير الفذّ في الإعلامية و علي السّالمي أستاذ الفلسفة و المناضل الطلّابي سابقا ، أحد قادة إنتفاضة الطّلبة سنة 1994 و محمّد السالمي دكتوراه دولة في الرياضيّات .. هؤلاء جميعا هم أبناء عمومتي .. و آخرين نسيتُهُم حتما .. دون أن أنسى أنّ كثيرين من عباقرة الذّكاء العالمي لم تسمح لهم الظّروف و الأقدار أن يمضُوا لأعلى المراتب فتوقّف بهم القطار عند شهادة الأستاذيّة أو دونها .. و أنا لستُ ممّن يقيس حجم الذّكاء و عمق الثقافة بالمستوى الأكاديمي و لكنّي أذكرُ ذلك على سبيل " حدّث القوم بما يفقهون " ..

تُعتبرُ السّوالم مقارنة بصغر حجمها و قلّة سكّانها و بشهادة الدّولة نفسها أكثر المناطق حيازة على مخزون هائل من الذّكاء و العمق و هو أمرٌ إشتهرت به بين القرى المجاورة .. حتّى أنّنا بمجرّد أن نتكلّم يسارعُ الآخرون من القرى الأخرى للقول " أكيد إنت سالمي " ..

أنا أسخر دوما من النّخبة الإعلاميّة و من أساليب تناول الشّأن السياسي و الثقافي لأنّنا هناك في السّوالم كنّا نتكلّم عن هذه المواضيع بحرفيّةٍ أكبر و نحن لم نبلغ العشرين من العمر .. فعلى حين كان أترابُنا في المدن العريقة يمضون لقضاء أوقات فراغهم في النّزهة و اللعب و التسوّق كنّا نُقضّي السّاعات الطّويلة في مناقشة الفلسفة الإغريقية أو الأدب الروسي أو تطوّر الفكر السياسي عبر التاريخ .

في السّوالم ، يضحكُ النّاس صباحا حتّى الثّمالة فلا أعرفُ و أنا الرجل الجوّال بين المدن شعبا تفوّق على السّولم في عالم الهزل حتّى أنّي أتحدّاكم أن تجدوا سالميّا واحدا يهتمّ بتلك الترّهات الّتي يقدّمها الإعلام بوصفها أفلاما أو مسرحيّات هزليّة إذ يمرّ بنا أعظم نجوم الضّحك في العالم على التلفاز فلا يحرّكون فينا ساكنًا .. كما لا تُضحِكنا مطلقا تلك النّكت المنتشرة على صفحات الجرائد و يرويها النّأس أثناء آجتماعاتهم الضّاحكة .. ذلك أنّنا هناك نعيش الهزل واقعا حيّا و نصنع النّكتة من صميم آلامنا فنوهم الآخرين أنّنا أسعد مخلوقات الله لكثرة ما يروننا ضاحكين غير أنّ السّالمي وحده يدركُ عميقا أنّما ذاك المزاح هو قناعنا التاريخي لإخفاء دموعنا الّتي ستنهمر غزيرةً آخر المساء .

أنا شخصيّا لم يضحكني أحدٌ في العالم لا عادل إمام و لا أيّ من نجوم العالم مثلما أضحكني أصدقائي و أبناء عمومتي : خليل "ديبيلور" و منصور"سكيلاتشي " و الشّاوش صاحب المقهى .. فهؤلاء قد بلغوا من إتقان النّكتة مبلغ العبقريّة حتّى يبدو امامهم عادل إمام كطفل مغمور لا يزال في خطواته الأولى .. و لقد كنّا نضحك حتّى نتمدّد أرضا و تكاد أكبادُنا أن تنفجر ..

و لكن ليس هذا هدف نصّي الطّويل .. و لكن أردتُ الصّراخ بأعلى صوتي .. أنّ السّوالم تعاني العطش منذ شهور طويلة فالحنفيّات في البيوت وصل بها الأمر أن فسدت و لم تعد تدور من طول الزّمن الّذي لم يمرّ فيها الماء .

السّوالم عطشى

السّوالم العظيمة بلا ماء منذ شهور .. و أهلها معتصمون دون أن يجدوا من الدّولة إلّا التّجاهل و النّسيان ..

أنا نضال السّالمي حفيد الإمبراطور " محمّد الحسني بن يونس السالمي " أرفع إصبع التّحذير و الإدانة في وجه السّلطة أن أعيدوا الماء أو سنُعيد سيرتنا الأولى فنغلق جميع المداخل و المخارج الّتي تربطنا بالعالم المعاصر و نعلن السّوالم إمبراطورية مستقلّة و أذهبوا أنتم و مائكم إلى الجحيم .

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات