الاستاذ الصادق بلعيد والقضايا المشبوهة…

Photo

كنت انظر دائما بشيء من الريبة الى كثير من اساتذة القانون في تونس ومنهم الاستاذ الصادق بلعيد الذي لا ترى وجهه منذ مدة الا في القضايا المشبوهة... كان الاستاذ ابان مناقشة دستور الثورة في مسودة 1 جوان 2013 يدافع ( وهو امر غير مستغرب منه ) عن خوصصة التعليم ويرفض دسترة مجانيته مستعملا في ذلك حججا قانونية ناقشتها في ذلك الوقت في مقال منشور بجريدة المغرب يوم 15 جوان 2013 ..

طبعا لم يجب الاستاذ على مقالي ولا على تصوري لمجانية التعليم من الناحية الدستورية وانما كلف احد طلبته بالرد ...وانتهى الجدل عند هذا الحد لان الجريدة رفضت نشر ردي على تلميذ الاستاذ ...لاني كنت قاسيا جدا مع التلميذ في حين اني كنت متسامحا بعض الشيء مع الاستاذ ربما لسنه ومرتبته ...سانشر الملف بكامله رغم انه كتب منذ حوالي اربع سنوات ...ففيه فكرة واضحة عمن يستفتيهم الرئيس اليوم في مصيرنا …

فبعد مقالي حول امين محفوظ من المفيد ان اصل الى الصادق بلعيد ...من سوء الحظ ان جريدة المغرب لم تكن تملك في ذلك الوقت صيغة رقمية ...ولذلك انشره على هذه الصورة

محاورة الأستاذ الصادق بلعيد : في ضرورة دسترة مجانية التعليم

عبدالسلام الككلي

أستاذ جامعي

اطلعنا على النص الذي نشرته جريدة المغرب يوم الأحد 9 جوان بعنوان " نظرة تقويمية ل " مشروع الدستور " غرور أصلي وهزال قانوني " للأستاذ الصادق بلعيد . ونريد أن نتوقف عند ما جاء في نص الكاتب من مناقشة للفصل 38 من مشروع الدستور المتعلق من جملة أشياء أخرى بمبدأ مجانية التعليم .يقول الأستاذ " نحن نعتبر هذا الإعلان ( مجانية التعليم في كامل مراحله ) خطير (هكذا ) للغاية والسبب و إن إدراج مبدأ المجانية الكاملة صلب الدستور من شأنه أن يجعله صعب المراجعة ونظرا لعدم توفر الإمكانات المالية العمومية اللازمة لتحقيق جودة التعليم والتربية والتكوين في كنف المجانية " .

وقد بدا لنا هذا الموقف غير مقبول من جهة مساسه بحق من حقوق الإنسان التي كثيرا ما طالبنا بادراجها في دستورنا ومن جهة قراءته للنص المذكور أيضا.

1) مجانية التعليم حق من حقوق الإنسان

إن منظومة حقوق الإنسان كل متكامل ولا يجوز إن نأخذ منها ما نريد و نرفض ما نريد . لقد تم الاعتراف بالحق في التعليم عالميا منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سنة 1948 (الفقرة 1 من المادة 26) الذي ينص على أن "لكل شخص حقاً في التعليم"و قد أشير إليه من قبل منظمة العمل الدولية في وقت مبكر منذ سنة 1920 ومنذ ذلك الحين نصت عليه مختلف الاتفاقيات الدولية وخطط التنمية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الفقرة 1 من المادة 13) الذي يعترف "بحق كل فرد في التربية والتعليم"؛ولنكون أكثر دقة فلنر ماذا يعني الحق في التعليم والصلة التي تربطه بالمجانية وذلك من خلال اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺣﻘﻮق اﻟﻄﻔﻞ الدولية التي ﻋﺮﺿﺖ ﻟﻠﺘﻮﻗﻴﻊ واﻟﺘﺼﺪﻳﻖ واﻻﻧﻀﻤﺎم ﺑﻤﻮﺟﺐ ﻗﺮار اﻟﺠﻤﻌﻴﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻤﺆرخ ﻓﻲ 20 ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ 1989والتي دخلت حيز التنفيذ في 2 ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1990، والتي بادرت تونس بالمصادقة عليها منذ سنة 1991 ....

فوﻓﻘﺎ ﻟﻠﻤﺎدة 49 ﺗﻌﺘﺮف اﻟﺪولاﻷﻃﺮاف ﺑﺤﻖ اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، وﺗﺤﻘﻴﻘﺎ للتنفيذ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﻖ وﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﺗﻜﺎﻓﺆ اﻟﻔﺮص، قامت الأمم المتحدة بتقديم مجموعة من التوجيهات الخاصة منها :


أ) ﺟﻌﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻻبتدائي إﻟﺰاﻣﻴﺎ وﻣﺘﺎﺣﺎ ﻣﺠﺎﻧﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ،


ب) ﺗﺸﺠﻴﻊ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺷﺘﻰ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﺜﺎﻧﻮي، ﺳﻮاء اﻟﻌﺎم أو اﻟﻤﻬﻨﻲ، وﺗﻮﻓﻴﺮها وإﺗﺎﺣﺘﻬﺎ ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻃﻔﺎل، واﺗﺨﺎذ اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﺜﻞ إدﺧﺎل ﻣﺠﺎﻧﻴﺔ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ إﻟﻴﻬﺎ،


ج) ﺟﻌﻞ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ، ﺑﺸﺘﻰ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ،ﻣﺘﺎﺣﺎ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻘﺪرات،


د) ﺟﻌﻞ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻟﻤﺒﺎدئ اﻹرﺷﺎدﻳﺔ اﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ واﻟﻤﻬﻨﻴﺔ ﻣﺘﻮﻓﺮة ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﻃﻔﺎل وﻓﻰ ﻣﺘﻨﺎوﻟﻬﻢ،


هـ) اﺗﺨﺎذ ﺗﺪاﺑﻴﺮ ﻟﺘﺸﺠﻴﻊ اﻟﺤﻀﻮر اﻟﻤﻨﺘﻈﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺪارس واﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﻣﻌﺪﻻت ﺗﺮك اﻟﺪراﺳﺔ.

وتلخيصا لكل هذا نقول انه من الممكن ألا يوجد اتفاق كامل بشأن كيفية تحديد بعض من حقوق الإنسان التي كثيرا ما يقع التنازع حولها باسم الخصوصية او أي اعتبار آخر ، الا انه من بين الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي وقع تعريفها جيدا و قلما يقع التنازع حولها هو الزامية التعليم ومجانيته و هما يعنيان في المحصلة حصول الجميع على التعليم الابتدائي المجاني و الالزامي و امكانية الحصول على التعليم الثانوي و الأخذ تدريجيا بمجانية التعليم، والمساواة في الحصول على التعليم العالي على أساس القدرات .

ولا أظن إن الأستاذ بلعيد سوف يحاججنا بامكاناتنا ووضعيتنا الخاصة فلا اعتقد أن من يدافع عن شمولية حقوق الإنسان في مواضع أخرى وبكل بسالة سوف يفتح الباب أمام الخصوصية أو الظروف والامكانات الخاصة لمنازعة الاقرار بهذا المبدأ مع العلم ان التعليم فضلا عن كونه حقا في حد ذات، فان جعل ذلك مبدا دستوريا يهب الحق في التعليم صوتا من خلاله يمكن للمرء المطالبة بحقوقة وحمايتها.

2 ) رأي مبني على معطيات غير دقيقة

يبدو لنا أن الأستاذ بلعيد لم يقرأ الفصل بالعناية الكافية ليقول ما قال ولنتوقف عنده لنتبين الحقيقة . يقول الفصل " التعليم إجباري إلى سن السادسة عشرة. تضمن الدولة الحق في التعليم العمومي المجاني في كامل مراحله وتسعى إلى توفير الامكانيات الضرورية لتحقيق جودة التعليم والتربية والتكوين وترسيخ اللغة العربية ودعمها …"
أول ما نلاحظه هنا هو أن الأستاذ عن قصد أو دون قصد يفصل بين إجبارية التعليم ومجانيتة فيتحدث عن المجانية بمعزل عن الإجبارية وهو أمر ينشأ عنه خلل فادح في النظر إلى الفصل لان إقرار إحبارية التعليم يترتب عنه نتائج تتعلق بامكانية ترتيب جزاء ضد إي ولي لا يضمن لابنه التسجيل في التعليم منذ مرحلته الأولى كم يمنع المدرسة من تسريح الأطفال دون السادسة عشرة كما يجرم تشغيل الأطفال دون هذا السن مع إمكانية قيام مسؤولية الدولة في حال الإخلال بهذا المبدأ . ومن البديهي انه لا يمكن لأية دولة أن تفرض على مواطينها الإجبارية دون التزامها هي بمبدأ المجانية . فهما مبدآن متلازمان ضرورة .

فلعل الاستاذ ينازع في مبدأ الإجبارية أيضا أو لعله لا ينازع في مبدأ المجانية هكذا باطلاق بل إن نزاعه منصب لا على المبدأ في ذاته وإنما على تعميمه على جميع مراحل التعليم. اذ يرى أن المجانية يمكن أن تكون في مراحله الأولى ولكنها تثقل كاهل الدولة عندما تعني التعليم الثانوي وخاصة الجامعي.

لا شك ان الأستاذ المختص في القانون الدستوري يعلم أكثر منا ما يترتب عن االمصطلحات المستعملة في الدساتير من آثار قانونية . وبالرجوع إلى الفصل نرى انه يستعمل فعل 'تضمن" في ما يخص المجانية ويكتفي بفعل "تسهر" في ما يخص الجودة . وهذا الفرق له قيمة جوهرية لان الفعل الأول يترتب عنه إلزام والتزام بالنتيجة وتتحمل الدولة المسؤولية الكاملة في حال الإخلال بالمبدأ الذي ضمنته كما يعنى ان الدولة ملتزمة بالحد الأدنى الذي توفره اغلب الدول لجميع أبنائها وهو المجانية في جميع مراحل التعليم في حين يجعل الفعل الثاني أي فعل " تسهر" من الجودة جهدا من الواجب أن تسعى إليه دون ان تكون ملزمة بذلك دستوريا وهو ما يعني ان القول بان الإعلان خطير للترابط بين المجانية والجودة لا يجد أي مستند له في الفصل 38 .

في الأخير نريد أن نذكر الأستاذ ان مجانية التعليم مبدأ كرسته دولة الاستقلال على مستوى الواقع وإن إدراجه في الدستور لا يضيف شيئا إلى هذا الواقع إلا إذا كان هدف الأستاذ من وراء ما قاله شيء آخر لم يتجرأ على قوله وهو أن إدراج هذا المبدأ في الدستور يحول دون قيام الدولة بخيارات أخرى في المستقبل ومنها خوصصة التعليم أو على الأقل فرض رسومات على التسجيل وخاصة في المرحلة الجامعية على كل التلاميذ والطلبة أو بعضهم أوقد يكون المقصود بذلك أيضا أن المجانية تهمش الفرص التي يمكن إن يوفرها التعليم الخاص لاسيما العالي منه .

وهو أمر خطير جدا لأنه يريد أن يضيف إلى مصاعب التونسيين وخاصة الطبقة الوسطى مصاعب جديدة فكلنا يعلم انه حتى مع دسترة مجانية التعليم فسنظل نخجل من الحديث عن مجانيته إذ لم يعد يقدر على مصاريفه غير الميسورين وذلك لارتفاع ثمن كلفة المستلزمات المدرسية وكلفة النقل و محنة الدروس الخصوصية أما التعليم العالي فحدث ولا حرج حيث يجبر كثير من الطلبة على ترك الجامعة لعدم توفر مصاريف السكن والإقامة .

إن ما قاله الأستاذ اخطر بكثير بلا شك من إدراج مبدأ مجانية التعليم في الدستور الذي يرى الأستاذ انه على حد قوله" خطير" لأسباب لا نريد أن نبحث في خلفياتها أكثر مما فعلنا
خلاصة القول أن حكم الأستاذ بلعيد على الفصل 38 يبدو ماسا بمنظومة حقوق الإنسان التي يدافع عنها في غير هذا الموضع وغير سليم من جهة قراءة الفصل وفهمه .

جريدة المغرب 15 جوان 2013

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات