السبت 24مارس2018 : يوم الفرز

Photo

لا يفوق يوم24 مارس 2018أهمية إلا يوم 14 جانفي2011 ، ففيه زال السحاب وانقشع الضباب وسطعت الحقيقة واضحة كوضوح الشمس ،وهي في كبد السماء. وظهر حصاد هيئة الحقيقة والكرامة ــ بقطع النظرعن قصورها وتقصيرهاــ عندما فجرت طبيعة الصراع وأسقطت الأقنعة واتضح جليا أنه يدور بين الجلاد والضحية،فوقع الفرز بين منظومتين : منظومة الثورة المضادة وريثة الاستبداد والفساد ومنظومة الثورة التي يحدوها طموح لبناء دولة العدالة الحرية والمساواة.

ففي هذا اليوم تباينت المواقف بين:

أولا ـــ منظومة ترفض إسقاط الأقنعة عن المنظومة التي حكمت تونس طيلة 55 عاما انطلاقا من اتفاقية 3جوان 1955وكانت نتائجها كارثية على تونس التي تحولت إلى حديقة خلفية اقتصادية وثقافية وسياسية للمستعمر،وفجرت صراعا بين رفاق الأمس، سالت فيه الدماء بغزارة أكثر مما سالت في حرب التحرير،

وخلفت جراحا غائرة، آل إلى انتصاب نظام استبدادي تعملق فيه الزعيم وتقزّم فيه الشعب ،وتواصلت رحلة العذاب والقهر لكل الفعاليات الوطنية مع نظامين تسلطيين لا يختلفان إلا بالدرجة وليس بالنوع ، من حيث الاستبداد والفساد، ولم تفهم هذه المنظومة أن التاريخ لا يرحم طال الزمن أم قصر،وأن المحافظة على الرموز ليست بطمس مظالمهم بل بإنصافهم وإنصاف الحق منهم .

هذا إن كانت فعلا تريد أن تحافظ على الرموز التي تخلت عنها يوم 7 نوفمبر ويوم 14 جانفي، وصفقت ورقصت للسلطان الجديد. لكن الأقرب هو أنها انخطرت في منظومة الفساد الجديدة والمتجددة واستغلت وهن الدولة لتزداد ثراء وفسادا.وأن الرموز ما هي إلا رأس مال تجاري .

وأخيرا، وفي حركة هستيرية،صوتت على تجاوز الفصل 18 من قانون العدالة الانتقالية بأقل من ثلث المجلس(70) وأجبرت رئيس البرلمان على الخروج عن هدوئه وحياده ليسقط في الفعل ورد الفعل بطريقة شوهت حاضره وأساءت لماضيه الذي لا يخلو من نقاط مضيئة مع الحركة النقابية في أشد محنة من محنها.

ثانيا ــ منظومة تروم كشف الحقيقة عن طبيعة المآسي التي حصلت وكيف نواسي المظلوم ونتجاوزعن الظالم ،حتي لا نورّث الأحقاد والضغائن .وإن الذين يتحركون الآن ضد منظومة الاستبداد والفساد ،الكثير منهم أبناء وأحفاد القوميين واليساريين والنقابيين والمنتفضين والإسلاميين الذين تجرعوا مرارة الظلم وانتهكت حرماتهم ، بقطع النظر عن المواقف الإيديولوجية التي تباعد بينهم.

ستة عقود لم تطفئ جمر النيران الخامدة تحت الرماد ،لأنها لم تقم على المساءلة والمصارحة والاعتراف بالذنب والتسامح ، بل على الغلبة، فالغالب هو الذي يكتب تاريخه وتاريخ المغلوبين فيزيف الحقائق إلى أن تدور الدوائر.

ولابد أن ألفت الانتباه إلى ثلاثة مسائل:

1 ـــ مظاهر الاختلاف والوفاق بين المنظومتين

كل من تابع مسار التجاذبات وفهم بنية المنظومتين يدرك جيدا أن منظومة الثورة المضادة متفقة في كل شيء: اقتصاديا واجتماعيا وثقاقيا وسياسيا، وهي تمتح من بئر واحدة، ولا تتصارع إلا من أجل هدف واحد هوالتموقع في السلطة، أما منظومة الثورة فهي متباعدة في كل شيء اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا، ولا يوحّد بين أطيافها إلا الإحساس ببشاعة المظالم التاريخية الني تعرض لها الشعب وأن العدالة الانتقالية هي آلية من آليات الثورة ومهمتها الإنصاف.

2ــ أولوية الحسم في الصراع العميق كيف؟

إن ما حصل يوم 24 مارس هو الحسم الحقيقي الذي كان على فصائل الثورة أن تعيه منذ اليوم الأول ، قبل أن تقع في أخطاء عرقلت المسار الثوري فالبعض شرعن عودة الثورة المضادة، والبعض الآخر تحالف معها وثبّت أقدامها.وهكذا سقطت في التحالفات مع أطراف الدولة العميقة والثورة المضادة، ولم تدرك:أن الحسم السياسي مع الماضي أولا، والحسم الإيديولوجي ثانيا.

ذاك هو مسار كل الثورات الناجحة، أما القفز على هذه المراحل باسم الإيديولوجية فهو غير مأمون العواقب. وهذا ما تجنيه الثورة وفصائلها اليوم.

3 ـــ تونس على مفترق الطرق بعد الفرز

بعد الفرز الذي حصل في هذا اليوم التاريخي 24 مارس في2018 صار لزاما على قوى الثورة ألا تعود إلى مربع التحالفات المشبوهة التي استغلتها الثورة المضادة لتستحضر العديد من عناصر منظومة الفساد والاستبداد باسم الكفاءات وليس من المستبعد أن تدخل في مواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل بداية من نقابة التعليم الثانوي بشيطنة قيادتها والتباكي على التلاميذ والمدرسة التي كانت سببا في رداءتها استجابة للعولمة.

لقد عاد النظام البائد بكل شعاراته وأساليبه فهولا يتفاوض تحت الضغط ، لكن من حقه أن يضغط ، فيماطل ويسوّف حتى تفتر عزيمة المناضلين فيجد الفرصة لتركيع الطرف الآخر وإفلاسه. كل ذلك هو استعداد وتهيئة لمعركة أوسع وأشمل هي التفريط في المؤسسات العمومية.والعجيب أن هذه المنظومة لم تتعلم شيئا من الثورة فمازالت تجترّ الماضي محتوى وأساليب.

هلاّ أدركت قوى الثورة ذلك وقطعت عليها طريق العودة ؟ إن ذلك رهين بتخفيض المنسوب الإيديولوجي وإعطاء اللأولوية للتناقضات الأساسية ــ إنقاذ ما بقي من الثورة ــ على حساب التناقضات الثانوية وهو التموقع في السلطة .إنكم أمام إشكالية طارق بن زياد.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات