نوفمبر 1987 كان انقلابا تاريخيّا علي القيم وليس انقلابا سياسيّا فقط. ضرب الجاسوس بن على التّعليم ثمّ خرّب أخلاق المجتمع. وقد وجد شخصيّة طيّعة أذعنت وأطاعت وحفرت قبرها بيدها.
كانت الإدارة تدعو كلّ أستاذ إلى تأمين حصص دعم لفائدة التّلاميذ الذين لم يتحصّلوا على معدّل عشرة في مادّة اختصاصه خلال عطلتيْ الشّتاء والرّبيع. والحلّ الذي وجده كثير من الزّملاء آنذاك للخروج من المأزق هو إغداق الأعداد على التّلاميذ.
تمّ تفكيك المنظومة التأديبيّة وألغيت مُعظم الإجراءات العقابيّة وهُمّش دور مجلس التأديب. أوكلت أغلب المعاهد والإعداديات إلى مديرين شبه مُخبرين عملاء أمنيّين بذلوا ما في وسعهم من أجل إنفاذ سياسات النّظام المقيت في تمييع البرامج وقتل الرّوح في الأستاذ وإجهاض الطّموح في التّلميذ.
أمّا الجامعة فكانت في عهده عالما متصحّرا سيطرت عليه الغريزيّة، لم يعد همّ الطّالب فيه الكتاب والقضيّة والوطن بل "الغالا" و"البلياردو" و"النّوفي" والزّنا المُشرعن داخل الأسوار.
كلّنا ساعدناك يا بن علي اللّقيط من حيث أردنا أن نحمي رؤوسنا العارية وأن نكفي أُسرنا المُعدَمة شرّك وشرّ نظامك البربري بعد أن رأينا حملتك الدّمويّة على المعارضين ولا سيّما حملتك على الإسلاميّين.
فكيف نتدارك اليوم أمرنا؟ بل كيف نكفّر عن ذنبنا ونحن سلك وازن نتفاخر اليوم بأننا قادرون على قلب الطّاولة على الوزير؟
المؤسف أنّ الجيل الذي تعلّم حين كانت المدرسة تحت سياط بن علي هو الذي يحتلّ اليوم مواقع المعلّمين والمربّين والأساتذة. فمن يعلّم المعلّم كيف يكون المعلّم؟