منذ 18 جانفي 1952، وهو تاريخ انطلاق ثورة تحرير تونس من نير الأستعمار الفرنسي بصفة منظّمة، كان لهذا الشهر وقعا مهمّا في حياة التونسيين، وكأنّ الذاكرة تتوارثها الأجيال لينتفض الشعب التونسي بعد هذا التاريخ يوم 26 جانفي 1978، أو ما عرف بالخميس الأسود.. ولكن هذه المرّة ضد الظلم و الحيف الأجتماعي من نظام ليبرالي، صادر الحق في العيش لآلاف المواطنين الذين وَجدوا في "الاتحاد العام التونسي للشغل" المدافع الشرس على حقهم في العيش الكريم.. انطلقت شرارة هذه الانتفاضة عندما انحازت قيادة اتحاد الشغل للشعب.. ولكنّ آلة الاستبداد قمعت المظاهرات العمّالية والشبابية بكل قوّة فسقط ما يزيد عن 400 شهيد، وتمّ اعتقال الزعيم النقابي الحبيب عاشور و المئات من المناضلين..
شكّل هذا التاريخ محطّة فاصلة في القطيعة التامّة بين الحزب الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل، بعد ان استقال الحبيب عاشور من حزب الدستور وأصبحت المنظمّة الشغّيلة مستقلّة رغم المحاولات اليائسة لتفكيك أعتى منظّمة عمّالية عرفتها افريقيا، ان لم نقل دول العالم الثالث..
بعد المحاولات اليائسة لما عرف بالنقابيين الشرفاء ومحاولة استيلائهم على المنظّمة الشغّيلة.. خرج الاتحاد أقوى ممّا كان عليه، وتواصل كابوس شهر جانفي على النظام البورقيبي الذي كان يخشى هذا الشهر.. لتتكرّر المجزرة خلال "انتفاضة الخبز" يوم 3 جانفي 1984 التي سقط خلالها مئات الشهداء ولكن النظام يتراجع امام الإرادة الشعبية.. وكلّنا يذكر خطاب الرئيس بورقيبة بالنسبة لسعر الخبزة: "نرجعوا وين كنّا قبلْ الزيادات.."
يتكرّر المشهد سنة 2011 ولكن هذه المرّة يسقط النظام وتنتصر ارادة الشعب..
إلى جانب القاسم المشترك لشهر جانفي خلال كلّ هذه الأحداث فإنّ الثلاثة الأخيرة منها عرفت قاسما مشتركا آخر تمثّل في الدّور الذي لعبه زين العابدين بن علي - 26 جانفي 1978 كان مديرا للأمن الوطني.. 3 جانفي 1984 بورقيبة يعزل وزير الداخلية ويعيّن بن علي مديرا للأمن من جديد.. 14 جانفي 2011، كانت الثورة على بن علي نفسه..
نصيحتي لكل من تحدّثه نفسه بظلمٍ ان يحذر شهر الغضب التونسي جانفي المجيد..
الأزهر عبعاب في 26 جانفي 2016