اليوم في غضبي دفنت أوراقي التي كنت اكتبها ببرود عن حوار الحضارات و تعاون البشر،خبيرا لدى ألكسو الثقافة،أو أستاذا في جامعات الانسانيات و محاضرا في "ندوات التنكر" كانت بالنسبة لي كالأكل الفاعش.قطعت شهادات المشاركة و أحرقت نياشين التكريم و خبأت أرشيفي و لم احتفظ منه بغير صور لبعض الزعماء" أتبرك" بها في زاويتي بمكتبتي حزينا .. في هذا الفراغ الذي تحتله اليوم دمى صغيره "الزعماء الجدد".. و أخفيت معها ذكرياتي من أحلام كنت اطبقها في دمشق بالقنيطرة و في بيروت بسجن الخيام و نهر الليطاني في الجنوب.
اليوم راجعت دروسا كنت أستشهد فيها بكبار مفكري الغرب و احشوها حشوا في رؤوس طلابي بطيبة البدوي و بتسامح تعلمته من قراءة التاريخ، محاولا اقناعهم بأن المركزية الغربية قد سقطت نهائيا في عصر ما بعد الحداثة...لم أندم عن فشل كل علاقاتي مع الغربيين و لا عن اضرابي عن الحديث بلغتهم دون حاجة لأني كنت أتوجس كذبهم..كان هروبي الى أناي في القرية يوحي لي بهذا الاحساس أي بعدم التوافق في مدن النفاق.. فليسجل عني هواة التصنيف و الرشم "انغلاقي" . مرحبا بالمراجعة لمركزية كاذبة بعد صدمة الأخلاق و فوضى الفكر و كذب القانون. و هم بالمقابل يغلقون مواقعنا الشخصية في فيسبوك و يمنعون شبابنا من السفر اليهم.. و ذلك ليس من علامات القوة..
حينما شاهدت بألم المجازر المرتكبة من بني صهيون في غزة و حينما شاهدت و سمعت ردود فعل من يتبجحون بامتلاكهم لوسائل التواصل كسبا و نصا و صورا،امتلاك الحقيقة الزائفة ،حينها رأيت الجهل بالتاريخ يطبق عليهم ،و الاصرار على التزوير جبلة فيهم، وجدت أن تصنيف الشعوب و الأمم في سلم الحضارات يحتاج تعديلا و تصويبا و مراجعة. حتى الفلاسفة و علماء الاجتماع و قادة الفكر و الساسة ممن يصطفون بل يحجون الى بيت مصاصي الدماء لإعلان دعمهم و ولائهم!! عجبا هؤلاء يفكرون بهذه الطريقة ،هؤلاء ممن صدعنا آذان طلابنا بأسمائهم..النتيجة أننا نحتاج إلى مراجعات عميقة و جديدة:في الفكر،في السياسة،في الأخلاق...لعلها ستبدأ قريبا هنا و هناك.
و حينها سيؤرخ مؤرخو الفكر بعيدا عن تاريخ وضعية كونت بالسابع من أكتوبر2023كنقطة تحول كتبت بالدم و تدمير الابراج و المستشفيات على رؤوس ساكنيها، و لكنها ستعيد فرز العالم على أسس جديدة و قوة جديدة هي قوة الحق لا حق القوة.