السؤال الكبير الان هو.. من كان وراء تأسيس النقابات الامنية التي ما كانت من احلام الامنيين ولا من مطالبهم ولا هي في ثقافتهم قبل الثورة مع انهم كانوا رجال بن علي ورجال انصار بن علي ثم كان الكثير منهم من رجال من كان بن علي غاضبا منهم إلا انهم تمكنوا من التغلغل في وزارة الداخلية…
كيف انطلقت هذه النقابات ومن دعمها... شخصيا اعتقد ان الاعلام هو الذي وقف الى جانب النقابات الامنية وجعلها ضيفة قارة على جل الفضاءات الاعلامية المرئية منها والاذاعية والمكتوبة ايضا…
هل كان الاعلام يعرف بذكاء فطري ان النقابات الامنية ستظهر للوجود فكان جاهزا للتعامل معها فورا ومحاورتها وتقوية شوكتها بفتح كامل اسباب المناقشات الحرة لها الى حد التجاوزات التي الان نجني بعض ثمارها…
ثم ان الاحزاب السياسية كلها بلا استثناء رحبت بهذه النقابات باعتبارها جاءت لتنظيم صفوف الامنيين والدفاع عن حقوقهم. إلا ان المهتمين بالشأن السياسي ما ان ظهرت على النقابات الامنية اقتحام الشأن السياسي بدأت تحذر منها ومن قياداتها التي اصبحت ناطقة باسم مصالح راس المال وبعض الاحزاب اليسارية مع الوقوف وراء القيادات الجديدة لحزب نداء تونس والالتحام بالشخصيات التجمعية القديمة والجديدة.. لقد توضحت من خلال بعض التجاوزات التي قام بها النقابيون الامنيون انهم ملتحمون باليسار وبنداء تونس وذلك من خلال تحاليلهم ومواقفهم ومن خلال ما قاموا به في باردواثناء كتابة الدستور من مساندة علنية لاعتصام سياسي كان من المفروض أن يكون الامنيون تجاهه محايدين…
اذن من اسس النقابات الامنية ؟ولخدمة من؟ وما حكاية الامن الموازي التي اختلقها قادة النقابات... فهل ان الامني الذي يساند الباجي قايد السبسي او حمة الهمامي هو امني جمهوري ومن يساند النهضة او المرزوقي هو امني موازي.
ما معنى أن تكون في الامن وأنت جمهوري او موازي ؟…
وما حكاية الصراع بين القضاة والنقابات الامنية... وهل يعقل ان تكون العلاقات بين الجهازين الكبيرين الفاعلين في الدولة وفي المجتمع وفي الحكومة والبرلمان في خصام مع حملات منظمة واضحة ضد القضاة بدعم من الإعلام
ما علاقة رجال الامن بالساحة السياسية العلنية او الساحات المخفية.. وما علاقتها بالدولة وبدولة الظل... ومن يمثل حكومة الظل.. ومن الذي يحكم البلاد هل هو في السلطة او خارجها…
كل هذه التساؤلات وغيرها من المفروض أن تكون محور المناقشات في البلاتوهات بكل انواعها حتى يفهم المواطن ما جرى وما يجري ومن يقف الى جانب هذه القوة التي كادت تحرق قصر الحكومة وتهدد حياة رئيس الحكومة…
هل حدث مثل هذا التمرد في اي مكان من العالم.. نعم النقابات الامنية موجودة في الكثير من دول العالم وخاصة في اروبا لكن هل رأيتم مرة واحدة نقابة امنية تهاجم قصر الحكومة او قصر الرئاسي…
انا شخصيا شاهدت اعتصاما امنيا مصغرا في باريس لكن لا احد من رجال الامن كان يتفوه بكلمة ولا رأيت القيادة التي تشرف على الاعتصام.. كانت تقوم بالتجاوزات مهما كان نوعها... لقد كان رجال الامن الفرنسي الباريسي في ذلك الوقت في قمة الانضباط الى درجة الانضباط العسكري…
لماذا اذن رجال الامن عندنا ما ان احتجوا للدفاع عن مصالحهم حتى التهبت الاجواء واقتحم بعضهم حرمة قصرالحكومة وتفوه المتظاهرون بكلمات سياسية لا علاقة لها بالمطالب الشرعية التي تحاوزت كل الشرعيات... تصوروا انهم يطالبون بزيادة تتجاوز 700 دينار لأعوان ليست لديهم الباكالوريا يعني انهم من الغد يكونون افضل بكثير من الحاصلين على الماجستير.. هذا اذا وجد جماعة الماجستير عملا... انهم اليوم اكثر من مائتي الف نسمة عاطلون عن العمل…
انا من أنصار أن يكون رجال الامن محترمين ويحصلون على مرتبات محترمة تكفيهم لمجابهة الحياة ولا تضطرهم ليكونوا في خدمة اصحاب المال وقبول رشاوى.. لكن ما جرى في القصبة تجاوز كل منطق لان المظاهرة او الاعتصام كان سياسيا بأتم معنى الكلمة…
اليوم توضح ان الخطر كبير... وان نقابات رجال الامن لا يمكن الاطمئنان اليها وهي صاحبة أجندات لا أحد يعرف مداها…
ماذا سيقول الاعلام الان وهو الذي وقف الى جانب تصعيد قوة النقابات الامنية وقياداتها... وماذا سيقول قادة الاحزاب السياسية التي صفقت طويلا الى النقابات الامنية بل قامت بزيارة مقراته وساندتها وقد جلس القادة السياسيون أمام القيادات الامنية اذلاء يستمعون الى النصائح بعد أن كانت النقابات الامنية هي التي تحتاج الى نصائح للدفاع عن حقوق الامنيين... لكن المسالة تجاوزت كل حدود الحقوق الى الالتحام بسياسات معينة وفقدان الحياد والموضوعية والمساهمة في التحريض على بعض التوجهات وخاصة منها النهضة التي هي الاخرى كانت مساندة للنقابات الامنية إلا انها تجرعت منها الامرين... النهضة طبعا أخطات دائما في تقدير اشياء كثيرة في البلاد.. ولم يتفطن الناس جميعا الى خطورة ما يحدث إلا عندما قام الامنيون في العوينة بالتظاهر ضد الرئاسات الثلاث التي زارت ثكنة الحرس الوطني انذاك... نعم لقد تمردت بعض القيادات الامنية على الرؤساء وهو امر يعتبر انقلابا سياسيا... وكادت البلاد تدخل في ما لا يحمد عقباه بذلك التصرف الذي لا يمكن أن نصفه الا بكونه تصرف أرعن…
انا استمعت الى محمد بوغلاب يقول كلاما مهما لتوضيح المخاطر التي يمكن ان تنجر عن هذا التصرف الذي وقع امام قصر الحكومة... وما قاله يمكن ان يحسب لصالح محمد بوغلاب الذي كان دوما على غير صواب وخاصة عندما يتحدث عن الامن وعن وزراء النداء... وهذه المرة كان ما قاله شافيا... إلا انني أخاف من ان يكون هذا الكلام المندد بما حدث هو تعبيرة لمساندة جماعة معينة في الداخلية لم يعجبها تحركات النقابات الأمنية يعني ان ما قاله لا ينم عن حرية…
ان ما حدث في صفوف بعض النقابات الامنية هو أمر جد خطير يجعلنا نخاف من جديد على مسار الحريات الاعلامية فمن يقف وراء ما يقال وما لا يجب ان يقال في الاعلام…
ما اتمناه ان نأخذ العبرة مما حدث وان تتحرك كل القوى الصادقة في البلاد لاعادة النقابات الى الجدية وتحريم السياسة عليها والاكتفاء فقط بالمطالب الشرعية في حدود المنطق.. فماذا يكون موقف الاحزاب التي كانت تحج بلا حياء الى مقرات النقابات الامنية... انهم سيشربون من هذه التجاوزات ان لم يتحركوا…