أقرأ هنا وهناك احتجاجات واعتراضات على برنامج “ذا فويس كيدز” الشهير، الذي يتسابق فيه الأطفال من أجل الحصول على المرتبة الأولى في الأداء والصوت. بعض الاحتجاجات وصلت إلى حد دعوة الآباء إلى التفكير جديا في مقاطعة البرنامج وعدم التقدم للمسابقة. ومنبع الاعتراض هو ما يشعر به الطفل من ألم وحرقة وانهيار عندما يتم اقصاؤه من البرنامج، فضلا عن مشاهد البكاء والدموع التي “تقطع القلوب”.
لم أتابع النسخة العربية من البرنامج إلا في ما ندر وعلى شكل فيديوهات متفرقة على النت، لكنني كأي أم، تابعت البرنامج مع طفلي في نسخته الهولندية، وهي النسخة الأصلية، لأن الشركة المنتجة والمسوقة هولندية كما هو معروف للجميع.
وطبعا، لا داعي لأن أشير إلى أن الأطفال يتشابهون في كل العالم، فحتى أطفال هولندا كانوا يبكون ويتألمون في مشاهد متكررة ومعتادة، غير أن الفرق أننا كمشاهدين، ومع أننا أمهات، لم نكن نشعر بألم من هذه المشاهد، كانت تبدو طبيعية جدا وشجاعة، وليس بها ما يثير الشفقة أو الحزن. بالعكس كانت دموعا جميلة وأنيقة من أطفال دخلوا مسابقة شرسة وقوية وتابعهم الملايين، واجتهدوا وتدربوا على أيدي فنانين كبار، وقطعوا طريقا مليئة بالتشويق والتنافس والتحدي، لكنهم لم يصلوا إلى خط النهاية. فما الذي يؤذي في ذلك؟
بالتأكيد البرنامج تجاري وغايته الربح، سواء في نسخته للكبار أو للصغار، وقد حقق أرباحا خيالية ووزع في دول كثيرة ويعرض بلغات عدة، لكن المؤكد أيضا أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يسيء إلى الطفل أو يتسبب له في عاهة نفسية، فهذا خط أحمر في الدول المتقدمة، ومنطقة لا تحتمل الشك أبدا، ولو أن خبيرا واحدا أطلق صيحة فزع، أو لمح حتى من بعيد لإمكانية الضرر النفسي، لتوقف البرنامج إلى حين البت في الأمر.
هذا الجدل لم يدر في هولندا على الإطلاق، ولم ألتقط ملاحظة واحدة حول “ألم الأطفال” الذي “يفتت الأكباد”، ولا وجود لشفقة غير مبررة، لأطفال صغار بأصوات كبيرة (شعار البرنامج)، وفي هذا البلد الصغير الذي يبلغ سكانه 16 مليون نسمة، يصل عدد متابعي ذا فويس كيدز أحيانا إلى 3 ملايين مشاهد.
ما هو إذن، هذا الفرق بين الثقافات الذي يجعلنا ننظر لطفل يتألق وينافس ثم ينسحب، في بلد ما، على أنه “بطل”، و”ضحية” في بلد آخر؟
الإجابة حسب رأيي تكمن في نظرتنا لأبنائنا وفي مفهومنا للحياة وفكرة المنافسة، وقيمتي النجاح والفشل.
أطفالنا ليسوا كائنات هشة، سهلة التكسر، مثيرة للشفقة، كما نعتقد، بل قوة وطاقة حياتية قاهرة بإمكانها أن تطحن العالم لتستمر، لا مانع من أن يفشلوا، ويبكوا ويتألموا، ما داموا يفعلون ذلك لأجل البقاء والاستمرار في لعبة مفروضة عليهم هي لعبة الحياة.
أما الفشل فقيمة ثمينة مثله مثل النجاح، لا يضر ولا يؤذي، بل يحفز ويدفع إلى الأمام، وهو من القيم الموجودة بقوة النقيض أي أنه لا معنى للنجاح، إذا لم يكن هناك فشل، ولا للخير إذا لم يكن هناك شر، ولا للحياة إن لم يكن هناك موت. وتبقى المنافسة النزيهة أسمى القيم وأجملها، مهما اختلفت اللعبة وتنوعت شروطها، فلا تخافوا عليهم منها.