اقترحت أن نعرب اسم الكاتب الوجودي الفرنسي المولود في الجزائر ألبير كامو بـ“الأفطس” أو بالأحرى “الفطس” نظرا لأن الكلمة هي بصيغة الجمع.
قبل سنوات دُعيت إلى مؤتمر حول “قضية التعريب” عقد في عاصمة عربية، وحضره عدد من علماء ونقاد الأدب واللغة، كان من بينهم أستاذنا جميل صليبا، وأنطون مقدسي ورجاء النقاش ومحيي الدين صبحي وآخرون ممن غادروا عالمنا ولا تحضرني أسماؤهم الآن.
وقد كانت من أطرف أحداث المؤتمر، حضور شخصية عسكرية تشغل موقع القيادة في تلك العاصمة العربية، إحدى جلسات المؤتمر، ملوّحا بعصا الماريشالية ومشيرا إلى سبورة سبق أن خطّ عليها كلمات بقطعة من الحوار.
كان القائد العسكري الجماهيري يتحدّث عن التعريب. وكان المثال الذي استحوذ على خياله كلّما شن هجوما كاسحا يستهدف التأكيد على ضرورة تعريب كلّ شيء، هو أنه من غير المقبول إطلاقا، بل لعله جريمة يعاقب عليها بالإعدام رميا بالرصاص، أن نسمي السيارة ماركة Peugeot باسمها الفرنسي “بيجو”.
ما هو اسمها إذن؟
اسمها حمامة كما لفظها حامل السيف والقلم، مزواجا بين اللفظ وبين طرقه بعصا الماريشالية على السبورة السوداء. آنذاك لم يتحرك أحد من الحاضرين يشرح له بأن كلمة حمامة بالفرنسية هي Pigeon وليس كلمة “بيجو” التي لا تعني أكثر من اسم الشركة صانعة السيارة المذكورة.
كما لم يتحرك أحد، ربّما خوفا من العواقب، أو تعبيرا عن عدم الاكتراث، ليشرح بديهية من البديهيات المعروفة، وهو أن هناك تعريبا وهناك ترجمة، وأن التعريب كما تعرفه العرب يقضي بالاحتفاظ بالأسماء حسب لفظها الأصلي مع إدخال تعديل بسيط أحيانا، يتفق وأصول النطق بالعربية.
والمثال على ذلك اسم “فريدريك” الذي كان العرب يطلقون عليه اسم “لزريق”. وأما عندما تكون الكلمة اصطلاحا ككلمة كوميديا، فلم يترددوا بتعريبها بكلمة “كوميضيا”.
في ختام المؤتمر المذكور تبيّن أن الخلط قد بلغ مداه واستفحل إلى حد ترجمة أسماء الأعلام. وقد أدليت بدلوي في وليمة الجهل والاستجهال تلك، فاقترحت أن نعرب اسم الكاتب الوجودي الفرنسي المولود في الجزائر ألبير كامو بـ“الأفطس” أو بالأحرى “الفطس” نظرا لأن الكلمة هي بصيغة الجمع. كما اقترحت عدم تعريب اسم “بيتر” Peter بكلمة “بطرس”، وإنما بكلمة صخر، أو ربما كلمة “صفوان” القرآنية.
فاسم بيتر له علاقة بفعل Perify أي يُحَجَّر أو يحيل إلى صخر أو يشلّ. وكلمة صفوان التي وردت في القرآن الكريم معناها الحجر الصلد.
وهكذا يمكن تعريب اسم “بيتر” بكلمة صفوان إذا أردنا العودة إلى معجم المرحلة الإسلامية، و“صخر” إذا أردنا الاستعانة بمعجم المرحلة الجاهلية.
وإذا أردنا الدعابة، أمكن القول إن تعريب اسم شكسبير يقتضي العودة إلى أصله البيولوجي “الشيخ زبير” كما أشار العقاد في مستهل كتابه عن شكسبير.
وهذه الدعابة، كما علمت في وقت لاحق، أخذها صاحب الدعوة إلى مؤتمرنا على محلّ الجد، وادّعاها لنفسه وكأنها اكتشافٌ دلالته أن شكسبير عربي قح.
هذا الحديث السفسطائي الذي يذكّر بالجدل البيزنطي الذي دار خارج أسوار بيزنطة المحاصرة حول عدد الملائكة القادرين على الرقص فوق رأس دبوس، انتهى بمحاولة رسمية للترويج لكلمة “خيالة” باعتبارها تعريبا لكلمة سينما. وكأن علينا أن نتخيل أن الكلمة المذكورة لها علاقة بالخيال والمخيّلة وليس بالخيل والخيول.
الفارق بيننا وبين سكان بيزنطة المحاصرين هو أننا لم نكن نمارس جدلا عقيما أو جدالا أو نقارا على طريقة الديكة المكسيكية بل عشنا لنقرأ عن أكوام كتب الأدب واللغة والحضارة المكتوبة بالإنكليزية والفرنسية التي جعل حامل السيف والقلم أساتذة الجامعة المحاضرين في أقسام اللغات، يخرجونها إلى الهواء الطلق ليضرموا بها النار على طريقة “كاليغولا” الإمبراطور الروماني المختل الذي كان يرغم علماء الإمبراطورية وفلاسفتها على كتابة الكلمات فوق سبّورة سوداء ثم يأمرهم بلحسها.
خلدون الشمعة:
ناقد من سوريا مقيم في لندن