إكسير الحياة

Photo

عشقها حتّى الثمالة عشقا لا يغتفر.. أمسى لا يرى سواها في الأحلام واليقضة كحدّ سواء. بات يذكرها أكثر من ربّه.. شرك من نوع آخر لن يغفره اللّٰه له إلّا بعد توبة. لكن هل يتوب وغنجها الرقراق لا توبة منه! دلعها يسحر القلوب ويُعلّقها بين اصبعيها فتأثم القلوب إلى الأبد..

ودّ لو يستطيع أن يدخّنها مع سيجارته فتخرج مع آخر نفس ينفثه.. مع آخر رذاذ من الرماد يلقي به على الأرض لتذروه الرياح فيرتاح منها ومن عذاب التفكير بها في عفر الصيف و وحل الشتاء وفي كل وقت وحين.

لكن هيهات، فهي كطائر العنقاء الأسطوري يعود إلى الحياة من جديد بعد أن تلتهمه النار بالكامل.. هي كذلك، تلملم شظاياها من ركام الذكريات ورماد الوجع بداخله لتُبعث من جديد في مخيّلته خصبة، مستفزّة، قويّة كعادتها كما لو كانت لعنة فرعونيّة قديمة لا تنفع تمائم الآشوريين ولا تعويذات كهنة بابل في فك طلاسمها. عشق أسود..

سحر أسود لا يُفكّ ولن يُفكّ أبدا. لقد احتلّت قلبه منذ أن رآها للوهلة الأولى وحسم الأمر في حينه. غزت قلبه بنظرة واحد من سيفها البتّار دون أن تحرّك جيوشها للنزال.. هكذا هم العاشقون، تُغزى مدنهم وتُدكّ حصونهم المشيّدة على الهوى بينما هم مُنتشون بخمرة الحب..

وعندما يستفيقون من غمرة سكرهم، يدركون أنّهم لم يعودوا أسياد أنفسهم بعد الآن، بل صاروا أسرى وعبيدا لسلطان العشق الملعون وسيفه المسلول. إنه يموت في اليوم ألف مرّة كلّما تذكّر جرمها المشهود. يغرق في الأسى كلّما تذكر كيف هجرته وقطعت جميع أواصر الحب والمودّة تجاهه. كان شبه متيقّن أنّ ما يعيشه من ألم وأسى وعذاب لا يتعدّى كونه غضبا من السماء أُنزل عليه دون سائر العباد..

أهكذا يغضب اللّٰه على قوم فسمّاهم العاشقين! هي تذكرته للجنون لا محالة. ماذا دهاه؟ هي في الأخير أنثى كغيرها من النساء! فما الذي حصل له؟ ما الذي صنع الفارق هذه المرّة؟ إنّه لا يدري كم من الأسماء مرّت على قلبه قبل أن يلقاها.. هن كثيرات عدد النجوم.

لكن كلمة"أحبّك " نطقتها شفتاه كم لم تُنطق الكلمة من قبل. لقد قالها لها بكلّ لغات العشق.. ماذا بعد أن داسته وخذلته.. وخانته؟ ماذا بقي له سوى الجنون أو الموت؟! لا وجود لترياق للنجاة.. لا وجود لعقّار للداء.. لا وجود لإكسير للحياة يُقدّم للعاشقين المهزومين. عندما يُذكر العشق ويتكلّم العاشقون،فليخرس كلّ الجهلة و المنافقين وليشنق كلّ الكهنة والمتزمّتين وليُنفى كلّ المتحجّرين و المتعجرفين إلى أقاصي الأرض حتّى يُكتشف الترياق اكسيرا للحياة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات