الكابوس الذي تحول إلى مزحة، ولم ينته بصراخ أو استفاقة مذعورة دليل على أن المعلمة، ومن خلفها العملية التعليمية، قد نجحت في تطويق مخاوف الأطفال وتقليصها إلى الحد الأدنى.
في الطريق إلى المدرسة هذا الصباح أبلغني طفلي البالغ من العمر 10 سنوات أنه رأى كابوسا، وكان عبارة عن مزرعة مهجورة وبعيدة يسكنها إرهابي، فيها جثث كثيرة مدفونة تحت الأرض وهياكل عظمية تبدو أجزاء منها خارجة من تحت التراب. قال إن القاتل لاحقه للقبض عليه وقتله، كما فعل قبله بخمسة أشخاص من الحي الذي نسكنه، وأنه قبض عليه بالفعل، وأخذه إلى المزرعة، وكان سيقتله، لكنه أخبره في آخر لحظة أن الأمر لا يتعدى كونه مزحة، ولا وجود لقتل أو جثث حقيقة.
وطبعا فهمت أن لتفجيرات بلجيكا التي راح ضحيتها العشرات من القتلى الأبرياء من جيراننا القريبين، علاقة بهذا الكابوس المزعج، فبلجيكا على بعد ساعتين تقريبا بالسيارة من مقر سكنانا في لاهاي، وقد زرناها مرارا وهو يعرف محطتها ومطارها جيدا، فضلا عن أن الهجوم وقع، عندما كنت أنا في الطائرة متوجهة إلى أمستردام، وبالتالي فإن الشعور بالخطر هذه المرة أقوى وأكبر من سابقيه.
أثناء روايته الحلم، كنت أستمع بأذن وعقلي يعمل بسرعة وتحفز لإعداد الإجابة التي من شأنها أن تطمئنه وتبعد عنه شبح الخوف، لكني فوجئت به يقول إن الحلم انتهى على شكل مزحة، وعندما سألته إن كان شعر بالخوف واستفاق من النوم مذعورا، أجاب: لا.
أخبرني أنه في اللحظة التي وقع فيها الهجوم، فتحت المعلمة السبورة الذكية التي أصبحت بديلا عن السبورة العادية، وبإمكانها أن تتحول لشاشة تلفزيون أو إنترنت، وتابع الأطفال ما حدث في بلد الجوار لحظة بلحظة، وتابعوا مذيعة التلفزيون وهي تقول إنها تتلقى خبرا عاجلا عن وقوع هجوم في بروكسل ومقتل العشرات من الأشخاص، وتابعوا نشرات ومراسلات لصحافيين ينقلون الحدث مع صور قليلة ومتفرقة عن آثار الهجوم، ومشاهد الفوضى والذعر التي انتابت الموجودين في المكان.
ثم قضت المعلمة باقي ساعات الفصل في شرح ما حدث للأطفال ومعالجة الآثار النفسية له. حدثتهم عن مفهوم الإرهاب ودوافعه ومن هم الإرهابيون، ولماذا يقتلون الأبرياء، وعن نيتهم الرئيسية التي هي بث الرعب والخوف بين الناس ومنعهم من الاستمتاع بحياة آمنة، وبالتالي فإن مقاومتهم تكمن في عدم تمكينهم من هدفهم، عبر التمسك بإحساس الأمن داخلنا، ومحبة الحياة.
كان من المفروض أن يقوم الأطفال في ذلك اليوم بامتحان لغة، لكن المعلمة فضّلت تأجيله إلى وقت لاحق، وقررت أن تقضي اليوم في الحديث مع الأطفال عن الهجوم الشرس والاستماع إلى آرائهم والمشاعر التي بثها الهجوم بداخلهم. ثم سألتهم إن كانوا يشعرون بالخوف والتهديد، وإن كانوا يتوقعون أن يحدث لهم شيء مشابه، واستمعت لمخاوفهم.
الكابوس الذي تحول إلى مزحة، ولم ينته بصراخ أو استفاقة مذعورة دليل على أن المعلمة، ومن خلفها العملية التعليمية، قد نجحت في تطويق مخاوف الأطفال وتقليصها إلى الحد الأدنى، فلو أنها أخفت أمر الهجوم على الأطفال ولم تتابعه معهم، واكتفت مثلا بإشارة مقتضبة، ثم عادت إلى إجراء الامتحان، لتهامس الأطفال ربما بخيالات وحقائق ومبالغات لا حد لها، ولانتهى الكابوس إلى هلوسة بما هو أبشع، لكنها حولته إلى مزحة، لا ترعب ولا توقظ من النوم، ولا تعرقل.