سقط علينا من حصاد اليوم 1 افريل الجاري تصريح -دون ان يكون كذبة- تميز بالاثارة صادرعن السيد نور الدين البحيري -وزير العدل السابق غير الماسوف عليه- تصريح لا يمكن ان يصدر عن رجل دولة يتهجم فيه بصفة فجة -بوصفه رئيسا لكتلة حزبية مشاركة في الحكم- على مؤسسات "دستورية" ويتجاوز في استعراض مباشر للقوة كل حدود اللياقة والمسؤولية.(تصريح حصري لاذاعة موزاييك = 1 افريل 2016(..
ربما علمتم كيف تمت في 24 مارس 2015 المصادقة تحت قبة مجلس نواب الشعب وفي ليلة واحدة وتحت جنح الظلام وفي صمت مطبق على 89 فصلا هو كامل مشروع القانون الاساسي المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء وكيف استطاع نواب الشعب في تصويت سريع (يمكن ان يخول مجلسنا الدخول الى موسوعة غينيس للارقام القياسية) ان يسقطوا ما يقارب ثلاثين فصلا من المشروع المعروض وان يخرقوا في ان واحد الشكل والاصل والدستور والقانون وما ورد بهما من اجراءات واجال فضلا عن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب والقرارين الصادرين عن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين. .
وربما علمتم ان هذه الهيئة التي نص على انشائها الدستور قد سبق لها -في نطاق اختصاصها- التعهد بطعن رفعه ثلاثون نائبا بمجلس نواب الشعب ضد مشروع اسهم في صياغته السيد نور الدين البحيري بمعية اعضاء كتلته والمتحالفين معه في اطار لجنة التشريع العام. ولانهم استبعدوا المشروع الاصلي وخالفوا الدستور واستهدفوا اساسا اضعاف موقع القضاء ودور السلطة القضائية في حماية الحقوق والحريات مني اصحاب ذلك المشروع بخيبة الامل وانكشف حالهم بشهادة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين التي اصدرت -في نطاق صلاحياتها- قرارين بتاريخ 8 جوان 2015 و 22 ديسمبر2015 توصلا الى اثبات عدم دستورية المشروع الموازي المعد من لجنة التشريع العام.
وربما علمتم ان هيئة اخرى -هي الهيئة الوقتية للقضاء العدلي- قد ابدت يوم 30 مارس الفارط ملاحظاتها بشان ملابسات المصادقة الاخيرة على مشروع القانون الاساسي المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء من قبل الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب. وقد تولت الهيئة ابداء ملحوظاتها في اطار اختصاصها طبق القانون الذي خول لها ان تقدم من تلقاء نفسها "الاقتراحات والتوصيات التي تراها ملائمة في كل ما من شأنه تطوير العمل القضائي".
وبناء على ذلك اوضحت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي في بيان مفصل الخروقات الدستورية والقانونية والاجرائية التي شابت المصادقة على مشروع القانون الاساسي المذكورة ودعت بالخصوص مجلس نواب الشعب "إلى احترام الخيارات المقررة دستوريا في بناء أسس نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي… يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والتواصل بينها" طبق توطئة الدستورونبهت كذلك "انه ليس من وظائف السلطة التشريعية مراجعة الخيارات التأسيسية كما هي ثابتة بمقتضى أحكام الدستور وبضرورة احترامها لها تحت رقابة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين والالتزام التام بتنفيذ مقتضيات قراراتها الملزمة لكل السلطات".
وربما لم تعلموا -علم اليقين- الظروف الحافة بمصادقة نواب الشعب -في تلك الليلة الليلاء- التي ادت الى توجيه التصويت الصامت وتفصي وزير العدل من مشروع الحكومة والتزامه الصمت إزاء نسف مشروع القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء المعد من قبل وزارته.
وبسبب ان الهيئة الاولى قد طلبت توضيحات من مجلس نواب الشعب حول ظروف المصادقة الاخيرة على مشروع القانون الاساسي المذكور بعد تعهدها للمرة الثانية بنفس الموضوع بموجب احالة صادرة عن رئيس الجمهورية وبسبب ان الهيئة الثانية قد ابدت ملاحظاتها بناء على ادراكها وحرية تقييمها لتلك الخروقات لم ينتظر السيد نور الدين البحيري القرارالنهائي للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وضاق ذرعا من موقف الهيئة الوقتية للقضاء العدلى في تصريحاته المثيرة. ودون البحث في الاسباب الحقيقية الداعية لتلك التصريحات -التى لم تعد تخفى على احد- من الثابت ان حدة هذه التصريحات لا تشير فقط الى ان السيد نور الدين البحيري هو من جملة المعنيين بمال المشروع المتعلق بالمجلس الاعلى بالقضاء بل تؤكد انه "المهندس" الاساسي له خصوصا وقد اعطى الانطباع ان المسالة قد اصبحت بالنسبة اليه شانا شخصيا من ذلك:
.
1. اتهامه لاعضاء هيئة المراقبة -وهم من القضاة السامين والاساتذة المبرزين في اختصاصهم- بان لهم رغبة -على الاقل بالنسبة للبعض منهم- لتواصل المؤقت بشكل مؤبد والتعليق على ذلك بقوله في لهجة تمس من اعتبارهم "ربما ثمة ناس حلاتلهم البقعة وما عادش عندهم استعداد لتركها" فضلا عن اتهامهم بتعطيل تركيز المجلس الاعلى للقضاء.. ومحاولة المساس بالدولة وارادة المجلس (ويقصد مجلس نواب الشعب) في بناء مؤسسات دستورية دائمة."
2. اتهامه لاعضاء هيئة القضاء -وهم من سامي القضاة والمحامين والاساتذة الجامعيين-باقتراف تجاوزات خطيرة اضافة الى اتهام الهيئة بتنصيب نفسها رقيبة على رئاستي مجلس نواب الشعب والحكومة. وهو اتهام مجاني لا يجد له سندا في مواقف الهيئة وقراراتها ويكتسي طابعا سياسيا.
.
3. تدخله -بالنظر الى موقعه الحزبي- في عمل المؤسسات ذات الطبيعة القضائية وذلك بدعوة هيئة المراقبة الدستورية الى الاجتهاد والعمل على تسهيل الحركة القضائية فيما يخرج عن اختصاصه ويتعارض مع ضرورة التزامه الحياد خصوصا بالنظر الى مشاركة الكتلة التي براسها في الائتلاف الحكومي.
4. تلويحه بتهديد مبطن لهيئة القضاء العدلي وذلك بقوله "إنّ رؤساء الكتل طالبوا رئيس مجلس الشعب باتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حدّ لما اعتبروه تجاوزات خطيرة من هيئة القضاء العدلي". وهو ما يعطي الانطباع ايضا بان السيد نور الدين البحيري يبدو ناطقا رسميا باسم بقية الكتل البرلمانية..
أحمد الرحموني: رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء