الوقت الذي تُقضّيه المرأة في إعداد مكوّنات "مرقة الخضرة" (تقطيع السلق والمعدنوس والبصل و...) يقضّيه الرجل في قراءة مقال أو جريدة... حين يذهب الرجل إلى ندوة فكرية تكون المرأة بصدد اصطحاب ابنها لدرس الموسيقى أو الرياضة... الوقت الذي يُقضّيه الرجل في المقهى يُناقش الشأن العام تكون المرأة في السوق لشراء حذاء رياضي لابنتها... حين يكون الرجل يتفرّج على برنامج وثائقي تكون المرأة في زيارة تهنئة أو تعزية أو عيادة مريض أو زيارة عائلتها أو عائلة زوجها والقيام بواجبات اجتماعية وأسرية…
ثمّ وبكلّ بساطة يطرحون سؤال "علاش النساء ما يُنتجوش في مجال الشعر والأدب وما عندهمش إنتاج في الفلسفة والفكر والسياسة؟؟؟". وفي نفس الوقت يقومون بمُقارنة نسب مُشاركة المرأة العربية في المجال الثقافي والعلمي بنسب النساء الأوربيات...
هم يحبّوها حمراء جرّاية وما تاكلش الشعير... يحبّوا "الدوّارة" والكسكسي بالعصبان والملثوث بالرأس والمرقة بخبز الشعير ويطالبوها بنتائج الأبناء ويجعلوها مسؤولة على فتور العلاقات العائلية ويلوموها على عدم قيامها بواجب التهنئة والمُباركة والتعزية ثمّ يقولوا النساء ما يهتموش بالشأن العام …
بطبيعة الحال أنا لا أدعو للتخلّي عن خصوصياتنا الثقافية ولا عن نمط عيشنا ولا على ما يُميّز روابطنا الأسرية والعائلية من قيم التضامن والتزاور ولا عن مرقة خضرتنا ولا على كسكسينا بالعصبان... لكن فقط أدعو مجتمع "الذكور" إلى التخلّي ولو جزئيا عن أنانيتهم وعدم شعورهم بالمسؤولية تجاه المُجتمع...
لا أومن بتقاسم الأدوار ولا بوظيفة للمرأة ووظيفة للرجل ولكن أدعو إلى التفكير في طرائق لبناء مُجتمع مُتوازن: مُجتمع تتكافؤ فيه الفرص لـــ "الإنسان" ذكرا كان أو أنثى للإبداع وللفعل وللمشاركة في صناعة الحياة بجميع أبعادها...
أدعو نساء تونس إلى اقتحام الفضاءات العمومية (المساجد والمقاهي ودور الثقافة ...) وإلى افتكاك حقّهنّ في البحث العلمي وفي إنتاج المعرفة... في النشر وفي كتابة الشعر والقصة... التحرّر من الديناميات الكلاسيكية -الاجتماعية والسياسية- والثقافية التي توجّه التفاعلات والعلاقات والروابط داخل مُختلف مؤسّسات المُجتمع…
الثورة وفّرت لنا ممكنات الثورة على واقع غير متناسق مع شعارات الحرية والكرامة والعدالة.
ولذا علينا جميعا إناثا وذكورا البحث على الشروط العينية التي بها يقع إنتاج عدالة اجتماعية تبدأ مُخرجاتها من مؤسّسة الأسرة.