لا يخفى على عاقل الحال التي وصلت له بلادنا اليوم من فساد مالي و اخلاقي و انعدام للشفافية و احترام القانون فلا ينكره إلا جاحد و لا يستبطنه إلا منتفع. استشرى الفساد في كل مرافق الدولة و عمت الفوضى و البذاءة اغلب المقرات الحكومية فلا موظف يلتزم بالوقت و لا حتى يؤدي ماعليه، المشاهد التي نراها كل يوم من موظفي ادارة يتسكعون بين المقاهي اثناء فترة العمل الصباحية او يتسابقون لحجز مقاعدهم في المطاعم تثير الاشمئزاز من اناس لم يتحلو بالحد الادنى من الامانة.
هكذا يمضي الموظف التونسيه واجبه الذي يتقاضى عليه راتب شهري اقل ما يقال عنه انه يحفظ كرامته الانسانية. اذ عمت الانتهازية و المصلحة و الرشوة و المحسوبية الادارة التونسية فأصبحت قواعد عملية تسير دواليب اليومي دون ان تدخل تحت قبة القانوني…
عربات الميترو تنقل الجميع و السيارات تركن امام الوزارات و المقرات الحكومية و البدلات الانيقة تغزو المشهد ! الكل يتظاهر بالعمل و الانضباط و المثابرة دون اي مردود و كما يقال حل الصرة تلقى الخيط.
التنمية صفر و الشعب يستهلك دون انتاج و البطون تتمدد و الاخلاق تتبدد و الشعب خارف للڤرط عالف و الفقير خائف للدمع ذارف. امام هذا الكم الهائل من التسيب و التهرب يوجد خيارين لا ثالث لهما فإما التعفن الاقصى كما عبر عنه الفيلسوف نيتشا ب " اذا رأيت وطنا يتهاوى فادفع به فالهوة السحيقة بكل ما اوتيت من قوة" و هو ما سينتج عنه التباعد الكبير بين الاثرياء و عامة الشعب و انهيار الدولة. اذ ترتفع المعيشة و البطالة و مستوى الجريمة و التهريب و تعم الفوضى و العفن اذ عادة ما ينتهي الوضع اما باستقدام الاستعمار او بثورة دموية .
تجدر الاشارة الى ان اثرياء البلد و كما يعبر عنهم باللغة التونسية القحة " الملّاكة او بّاندية الدولة" هم يمثلون تحالف سماسرة السياسة و رؤوس الاموال الفاسدة من العائلات التي امتهنت السياسة منذ الاستعمار و الذين تصاهرو فيما بينهم و اسسو شركات تجدد و تحمي العلاقة فيما بينهم و نطلق عليهم تسمية " الميڤابلدي" .
اما الخيار الثاني فهو الفساد الدائم او الدولة المافيوزية القائمة على شبكات المافيا و التهريب المحلية و العالمية. في هذه الحالة يتولى تحالف الميڤابلدي و عملائهم من العائلات و الاشخاص التي امتهنت الوشاية منذ الاستعمار في المدن و القرى و ما يطلق عليهم ب " القوّادة" تسيير امور البلد بالحد الادنى لضمان ديمومة كيان الدولة و عدم انهيارها.
اذ يظغط الميڤابلدي بكل ثقله على الاغلبية الصامتة اما بالترفيع فالاسعار او بالتخويف من الارهاب لضمان التشبث بطوق النجات الوحيد إلا و هو الأمن. اذ بمسكه لخيط الامن يمسك الميڤابلدي بكل دواليب الدولة و يضمن استمرار بقائه. بين الانهيار و الانحطاط تترنح حالة بلد يقال ان عمره ثلاثة ألاف سنة حضارة نجده اليوم و للأسف عاقر و غير قادر على انجاب رجال يقلبون المشهد رأسا على عقب.