الناقة التي أهداها صاحبها إلى السبسي، قد تعتبر إهانة صافية لفخامة الرئيس، بقدر ما ترمز إلى البادية والفيافي والقفار البعيدة عن المرسى وسكرة وكرتاج، ولا يكفي اسمها الحضري "كاميليا" للتغطية على تلك الإهانة.
والمشكل أن السبسي لا يستطيع أن يرد الهدية، إذ أنه يسعى إلى التقرب من تلك المناطق ولا يرفض لأهلها مطلبا إن لم يكلفه أي شيء، ولا أسهل من قبول هدية، حتى وإن كانت ناقة. إلا أن لسان حاله يقول، لو كانت حصانا لهان الأمر أما أن تكون ناقة، فأين سيضعها في كرتاج؟
وهل سيجد في هذا الزمان عزابة لتكليف أحدهم برعايتها وتغذيتها؟
وعندما يتذكر بورقيبة يجده قد تعود على ركوب الخيل وتدرب على ذلك قبل عودته في 1 جوان 1955 بل وكان عندما يزور المدن الداخلية ذات التقاليد في الفروسية يمتطي صهوة حصان، وفي البال قول المتنبي "الخيل والليل والبيداء تعرفني...". والتمثال الذي أمر السبسي بإعادته إلى قلب العاصمة يظهر بورقيبة على الحصان. وأما الناقة فلا تحمل ما يحمله الحصان من معاني، بل أنها تبعد السبسي عن التشبه ببورقيبة.
والمشكل أن الناقة يمكن أن ترمز إلى الشيء المناقض تماما للحداثة التي طالما ادعى تمثيلها والتعبير عنها الكثيرون منذ الاستقلال إلى السبسي، وكأن في الناقة رسالة -حتى وإن لم يقصد ذلك صاحب الهدية- مفادها أن هذه المناطق مازالت على بداوتها وبقيت حيث هي منذ الحصول على الاستقلال. فلم تقم فيها الدولة مشروعا واحدا مما أقيم في مناطق أخرى. فقط نتصور تمثالا للسبسي وهو على ناقة. صاحب الناقة.