يمة خرفيني: من ذكريات الطفولة!

Photo

يمّة خرّفيني!

- ارڤد وليدي، نا بيدي خرّافة!

في ليالي الشتاء الباردة الطويلة في ستينات القرن الماضي بريفنا الكافي البعيد، وفي غياب أي وسائل ترفيه لم يكن لي من خيار إلا أن أترجّى هنية أن تقص عليّ حكاية من حكاياتها الرائعة المثيرة المليئة بالأحداث المخيفة والاغوال والاهوال والجنّ والعفاريت!

ولكن مشكلة هنيّة أنها لا تُخرّفنا إلا إذا اجتمعت لها مجموعة من الشروط والأسباب يصعب جدا أن تجتمع: يجب أن يكون البال خاليا من الهموم، والدهر مواتيا والدنيا مقبلة غير مدبرة، وصحتنا جيدة وموسم الامطار مبشرا! ولهذا كان عليّ أن أدفعها دفعا للحكي بشتى الطرق والأساليب، فإذا لانت واستجابت: لا بدّ حينها أن تهيئ القعدة الملائمة لطقوس الحكي: تشعل الكانون وتضع فوقه براد الشاي وتخفض من فتيل الڤازة، وبعد أن أسند رأسي إلى ركبتها تبدأ الحكي بجملتها التي تتكرر مع كل حكاية:

- ياسيدي بن سيدي يا مرحوم الوالدين،ڤلّك ثمّة.....

وكانت خرافتها الاثيرة التي لا تمل من روايتها ولا أملّ من سماعها: حكاية الغول وابنة الحطاب ولغز الغرفة السابعة!

"ڤلّك يا طيب يا ولدي ثمة واحد حطّاب …

-اشنوة معناها حطاب يمّة، أقاطعها؟

- ينحي الحطب من الغابة وليدي باش نشعلوه لتطييب الماكلة والتدفية..

" نهار من النهارات وهو في الغابة، تواصل وهي تترشف شايها المرّ الثقيل، حب يكسر سجرة بالشاقور، آخي طلع مڤيل فوڤها الغول اللي تغشش برشة وڤال للحطاب:

- وشبيك جيت تڤلق فيا، والله إلا ما نمشمشك!

هنا أتكور على نفسي وتتتابع أنفاسي لتشي بالخوف الذي تسرب إليّ وأغرس رأسي في حجر هنية، التي تربّت على رأسي بحنان قبل أن تواصل:

-أيا سيدي، الحطاب تفجع وخاف، وڤال للغول:

- سامحني، والله ما كنتش نقصد، لكن وليدي الغول هذا ما يعرفش ربّي، شدّ الصحيح باش ياكل الحطاب، هاو الحطاب كي عرف روحو ميت ميت، ڤال للغول: واش رأيك كان نعطيك بنتي؟ وتسامحني؟

- يعطيه بنتو يمشمشها؟ أتساءل مرتعبا..

- لا لا يعرّس بيها، تجيب هنية وقد غلبها الضحك

- الغول يعرس يمّة أتساءل مرة أخرى بسذاجة؟

وتتجاهل هنية تساؤلي وتواصل الحكي بصوتها الساحر الذي يتردد بين اللين تارة والعنف تارة أخرى، حسب سير الأحداث وتشابكها:

" الغول كي سمع اللي ڤالو الحطاب………"

هنا، في هذه اللحظة الفارقة في مسار أحداث الخرّافة، يغلبني النوم فلا أستفيق إلا وأنا في فراشي، على صوت أمّي وهي تدعوني إلى مساعدة أبي في العناية بشياهنا وبقرتنا الوحيدة!

ولكم أشعر بالمرارة حين أتبيّن أنني لم أنجح في مقاومة النعاس لأعرف ما حصل بين الغول والحطاب!

يتبع

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات