لم أكن قد زرت مقبرة قبل ذاك اليوم..

Photo

لم أكن قد زرت مقبرة قبل ذاك اليوم.. كنت جبانة، أخاف من الدخول إلي المقابر، أو حتى النظر إلى أبوابها.. لم أكن أحب الحياة كثيرا لكي أخشى الموت.. كنت أعلم أنه من الحري أن أخشى الحياة وهذا القطيع البشري، لأنّ الموتى لا يؤذون أحدا.. الموتى يرقدون في سلام، لا يصدرون أصواتا، لا ينبسون ببنت شفه، لا يتحركون.. الموتى مسالمون و هم طيبون عموما..

لا أدري لم أردت أن أذهب الى المقبرة.. استيقظت صباحا أو ربما لم أنم أبدا.. لم أحضر قهوة على غير العادة.. ربما لم أكن أريد أن أرى سوادا آخر غير سواد ذاك اليوم. ذهبت لإجراء بعض الفحوصات الطبية كالعادة.. الآلام نفسها لا تزال تنهك هذا الجسد، لكني قد إعتدت حتى أني أتسائل أحيانا: ماذا تراني أفعل ان اختفى الألم؟

لم تكن الساعة قد تجاوزت التاسعة حين وصلت الى حيث ينام منذ أربعة أشهر.. جلست.. تفرست في القبر.. أمعنت النظر.. أهذا هو؟ أهنا يقبع؟ مررت براحتي فوقه.. خيم الصمت.. المقبرة هادئة عموما، أنا أعلم هذا ولكن هذا الصمت قد بدا مختلفا تماما.. صمت عميق، كأني قد توقفت عن التفكير، لم أعد أسمع صوت أنفاسي، كأني قد انعزلت تمام، ربما قد متّ في تلك اللحظة. لم أشعر بالشمس تلفح وجهي نصف المغطى بوشاح أسود كلون كل شيء في ذلك اليوم.. ثم رددت فجأة: لقد مات، و لكن ماذا يعني هذا؟

بكيت، لا أعلم كم استغرق بكائي.. كانت العبرات تخنقني، حارقة، مؤلمة شأنها شأن الموت. لم يكن باستطاعة عقلي المحدود أن يفهم ماهية الموت، أتراني غبية أم أتغابى؟ أعلم أنه قد غادر الحياة، أنه لن يتنفس بعد الآن، لن يتحرك، لن يتحدث، لن يمزح معي كما عهدت، لن أراه أبدا. أحسست أنّني سيغمى علي. أنا منهكة جدا. عدت إلى البكاء، لم يكن بكائي صامتا هذه المرة، كان نحيبا.. لا أذكر ماذا حصل بعد ذلك.. سوى أنّ باب المقبرة، لم يعد لونه أخضرا..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات