عجلة السرعة تطحن الرواية

Photo

هل الأدب مطالَب بمواكبة السرعة التي اجتاحت مختلف مجالات الحياة المعاصرة؟ هل يعكس الأدب هذا التسارع الرهيب الحاصل بحيث يتخلّى عن الهدوء الذي يفترضه ويخلقه في نفس الكاتب والقارئ سواء بسواء؟ هل يدخل الروائيّ عجلة السرعة باحثا عن زمنه المفقود على طريقة جيمس جويس؟ عن أيّ بعد يبحث الروائيّ في زمنه الروائيّ؟ هل تطحن عجلة السرعة مراكب الرواية وتقلّل من وهجها وانتشارها؟

هناك روائيّون عالجوا هذه الثيمة في أعمالهم وأحاديثهم، شغلتهم السرعة المتخلّلة تفاصيل الحياة، توقّفوا عندها، حاولوا تفكيكها، وتقديم تصوّرهم عنها أو ردّهم عليها. وهناك إشارات وإحالات إلى ربط الفنّ الروائيّ بالمدينة، والإشارة إلى إيقاع الحياة المتسارع فيها وتشابكها وتعقيدها، بحيث أنّ افتراض النقيض، يحيل من باب الاستحضار إلى الرتابة والبساطة والبطء، ولكن هذا النقيض نفسه يكون مرام الروائيّ في اشتغالاته في الكثير من الأحيان. وفي هذا السياق جاءت رواية.

من الروائيّين الذين احتفوا بالزمن بطريقتهم الخاصّة ميلان كونديرا في روايته “البطء”، سعى إلى التقاط مفصل رئيس من مفاصل الحياة المعاصرة، مفصل يظلّ لغزا يجتهد الأدباء والفنّانون لمقاربته والبحث عن أسراره وخباياه، لغز الزمن، لكنّه اختار صفة البطء لتكون معبره إلى عصر السرعة نفسه. كذلك يحضر الأميركي آلان لايتمان في روايته “أحلام آينشتاين” التي صوّر فيها عوالم آينشتاين النسبيّة.

وفي محاضرته لتسلّم جائزة نوبل 2014، تحدّث الفرنسيّ باتريك موديانو عن شعور يرافق كاتب القرن العشرين بأنّه مسجون من قبل زمانه، وأنّه ربما تجلب إليه قراءة روائيي القرن التاسع عشر العظام مثل بلزاك وديكنز وتولستوي ودوستويفسكي شيئا من النوستالجيا والتوق إلى الماضي، مشيرا إلى أنّ الوقت في تلك الأيام كان أبطأ من اليوم، ويعتقد أنّ ذلك البطء يناسب عمل الروائيّ إذ يسمح له بحشد طاقته وتركيزه، كما يلفت إلى أن “الوقت منذ ذلك الزمان يتسارع ويمضي نحو الأمام في اندفاعات وانطلاقات شارحا الفرق بين الصرح الأدبيّ الشاهق في الماضي ببنائه الشبيه بالكاتدرائيات وبين الأعمال المفككة اليوم”.

وصف موديانو جيله انطلاقا من أن جيل انتقاليّ، وعبّر عن فضوله لمعرفة “كيف ستُعبر الأجيال القادمة -التي ولدت مع الإنترنت والهواتف المحمولة والإيميلات والتويتات- من خلال الأدب في عالم الجميع فيه متصل بشكل دائم والشبكات الاجتماعية تلتهم ذلك الجزء من حميميتنا وخصوصيتنا التي بقيت حتى مدة قريبة جدا ملكية خاصة لنا، تلك الخصوصية التي منحت العمق للأشخاص، واستطاعت أن تصبح ثيمة رئيسية في الرواية”.. ثمّ يستدرك مؤكّدا أنّه “سيبقى مثاليا بخصوص مستقبل الأدب، وأنّه على قناعة بأن كُتاب المستقبل سيحمون الإرث المتعاقب تماما كما فعل كلّ جيل منذ هوميروس”.


هيثم حسين:كاتب من سوريا

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات