المدرسة و كتابها
اختار الرّواد المؤسسون لنقل المعرفة إلى ذهن المتعلّمين وسيلة حسيّة بصرية وهي الكتاب، فلقد ساهم مخترع المطبعة"قوتنبارغ" في تسهيل عملية انتشار الأوراق المكتوبة و القضاء على ثقافة التواصل الشفاهي عند تعليم المعارف و العلوم. ولم يقع القطع مع هذه الوسيلة حتى الثورة المعلوماتية و العوالم الافتراضية. وظلت المدرسة تكتسب صلابة وجودها من تلك الأوراق المرجعية. .
السّؤال عن الكتاب
فيدخل المتعلّم المدرسة، وهو غافل عن دواليب سيرها، فأمّه الّتي كانت تعدّ له فطوره و تساعده على ارتداء ملابسه، لبست ميدعة بيضاء، و انتصبت أمام باب القسم تنظر إليه كأنّها لا تعرفه، فيدخل القسم المستطيل، و لا يفترش القاعة على عادته، بل سيجلس على مقعد من خشب، و تسأله بحنان: أين كتابك؟ يحتار فأمّه لا تطلب منه ذلك، وكانت تحكي له قصة الغول و الجنية السّوداء دون حاجة إلى أوراق.
زاد الطّالب
بقيت الأجيال المتعلّمة تحتفظ بالكتاب، و تعتبره صراط المعرفة، فتجد فيه تعليم الحروف، و تصل به حدّ كشف غوامض المعاني و أحاجي القواعد و حيل الفيزياء و شفاء الأجسام و تتابع الزّمن. كانت المعرفة مقسّمة حسب طبائعها، وكانت الكتب تصبغ أوراقها بنوع المعرفة. و لا تنفكّ العقول من قراءة سوادها،فهو سينقلب نورا يعبر فيافي الجهل و مغاور الأميّة.
مابين الأمس و اليوم
أصبح الكتاب حليّة الدّار، فصاحبنا المتعلّم الصّغير أعدّوا له كمّا معرفيا يتطلّب حمل حمار، فتركه في المنزل كي لا يعوّج ظهره الصّغير. و زاد ثمنه و نقصت منفعته، فهو شتات معارف لا رابط بينها. و أصبح للكتاب المدرسي منافس في السّوق السّوداء، و أضحى الموازي أساسيا في طلب العدد قبل التمكّن من المعارف و المهارات.
الطّرس المنضود
تسعى الأمم المفكّرة في مستقبل أبنائها على إعلاء التفكير في المعرفة مرتبة التميّز و الإبداع، فالحشو المسكوك لم يعد نافعا لعقول تفكّر بعيونها و تختزن المعرفة بآذانها، فالمقروء مهما علا شأنه فإنّه لا يساوي أمام التّجريب المقنع و التّصور المبدع و التّصميم المنجز. أبناؤنا ليسوا في حاجة لتكرار معلومات لا يواجهها في حياته، هو يعيش في عالم يريد أن يفهمه في تنوّع حالاته و ينتج تواصله مع الآخرين بفضل توقّعاته. عالم المعرفة المحنّط لم يعد يستهويه.