المعاناة اليومية
سألتني ممرّضة عن تبدّل حال المدرسة هذه الأيّام، و أخبرتني أنّها تعاني من ابنها المراهق، فهو يكره المدرسة و لا يريد الذّهاب إليها. استمعت إليها بانتباه، فاسترسلت في طيرادة كشفت فيها معرفة بحياة المتعلّمين و سلوكهم و المخاطر الّتي يتعرّضون إليها، فسألتها: ماذا كنت تتوقّعين أن تجدي في المدرسة؟ سكتت. هي قادرة على فهم الظّروف المحيطة؛ لكن السّؤال فاجأها.
سؤال غائب؟
ما المدرسة؟ هو سؤال لا يقع طرحه، فهو خاضع للبديهيات، فهل يمكن أن نسأل عن مكان يعرّف نفسه بنفسه. المدرسة ذلك المكان الّذي يدخله الطفل الغرير فيعود بعد تلقين متواصل إلى كائن عاقل يدرك المحيط و يتفاعل معه دون همجية خرقاء أو عنصرية بهماء.
التّصوّر الضّمني
ولقد اختار الرّواد أن تكون المدرسة مكان المعرفة الفاعلة و الأخلاق النبيلة و العمل الدؤوب. هي صورة نمطية لا يصرّح بها الأولياء؛ و لكنها تجد قبولا ضمنيا في عقولهم،فلا يمكن أن تكون إلا فضاء القداسة المعرفية و الصّرامة السلوكية و الصنع المسترسل لذات مفكّرة قابلة للتعايش السّلمي.
العيش الملموس
تبدو معاناة الأمّ انعكاسا مؤلما للمفارقة بين ما يعتقد الإنسان أن يجده في الواقع و ما يفكّر فيه أو يفهمه. فلا يمكن لأي إنسان أن يساوي بين المدرسة و الشّارع و السّوق و السّجن مهما وقع في المدرسة من فوضى يومية و اعتداءات قسرية و معاملات سيّئة. فالهالة العظيمة للمدرسة جعلت مجرّد التفكير في انتقاصها أمرا غير محبّب. وهذا هو مكمن الخطأ.
المدرسة ليست خارج الحياة.
يعتقد كثير من النّاس أنّ المدرسة لها وظائف متعدّدة لعلّ أبرزها تحصين نفسها من سوء التيارات الخارجية، هو تصوّر يريد منه أصحابه تجنيب المدرسة ويلات الممارسات الشوارعية التّي تبدّلت فيها أنظمة القيم الاجتماعية. و يصرّ هؤلاء على أن تبقى المدرسة فضاء خارجا عن التّشخيص و التّعديل و المتابعة. فلا أحد يمكنه أن يقيّم سلوك العاملين بها. فهم يعرفون ما يجب فعله. و الغريب أنّ ما تعاينه عيون أولائك المدافعين على عذرية المدرسة يكذّب تخميناتهم، فهم يسعون عند نشوب الأزمات إلى التعمية و المغالطة و الخطير التّعبئة المتوحشّة للدّفاع عن مدرسة نخرها سوس اللامبالاة.
أزمة المدرسة حقيقة
لم تعد أزمة ضعف أداء المدرسة بخافية على أحد، و أضحى التفكير في استبدالها أمرا مشروعا عند رجال الاقتصاد،فهم يرون أنّ المدرسة التي ينفق من أجلها المال الهادر لم تعد بقادرة على حماية المجتمع معرفيا و سلوكيا و إعادة المال في شكل إطارات عليا و متوسطة و يد عاملة مختصّة. بل أصبح مدّ اليد للتوظيف الإداري علامة مميّزة على سوء الاختيارات التعليمية.
كيف نبني مدرسة المجتمع؟
إذا اختار المجتمع أن تكون المدرسة هي التّي تحقّق مستقبل ابنه بتزويده بالمعرفة و المهارات و الثقة في النّفس فإنّ الواجب المنهجي يفرض علينا أن نضع تصوّراتنا و أفعالنا و أهدافنا في غربال التّشخيص العلمي. و نبدأ بالسّؤال: عن المدرسة؟ ما المدرسة الّتي تستطيع أن تحايث المجتمع ثمّ تقدّم البدائل الّتي تفتت حالة الاستهانة بها و بالحياة؟ ماذا أفعل في المدرسة؟ هل المدرسة راتب شهري فقط؟
الإيمان بالفعل في بالمدرسة
لا يختلف إثنان أنّ المدرسة هو المكان الوحيد الّذي يسلم فيه المجتمع من الشّرور، و كلما عجزت التّصوّرات التي تشدّ المدرسة عن التّحقق فإن الفئات المجتمعية تسير نحو الهلاك التدريجي. و يدبّ الخوف و الهلع و يكون الخيار هو الاستناد إلى عصا الغضب كي نحمي الأجساد من لوثة العقول الفاسدة و المجرمة. يجب أن نؤمن أنّ المدرسة لها دور المحافظة على الإنسان العاقل الفاعل الكادح. دون ذلك سيبقى تعليمنا سدّ فراغات و ربط بالسّهام على شاكلة التمارين الجوفاء.
السّؤال والحوار
لا يمكن أن تتغيّر الممارسات غير المتوقّعة للمخاطر في المدرسة دون السّؤال عن ضرورة التغيير؟ يجب أن نغيّر نظرتنا للمرسة؟ من نحن في المدرسة؟ هل موظفون أم مربّون؟ ماذا أقدّم من معارف؟ هل هي نافعة أم ضارة أم غير مسايرة للحياة؟ هل أؤطّر المتعلّمين أم أرتكهم للمجهول؟
هي أسئلة ستثيرغبار الطّمأنينة الزّائفة. و تجعلنا نتحاور مع بعض. وهو الغائب الأبرز في الحياة التعليمية فلا حوار بين الأطراف المتفاعلة. فأكل مع الكلّ ضدّالكلّ.