أية علاقة بين الأنطروبولوجي والأنطولوجي والتيولوجي في النص القرآني؟
هذا هو السؤال المدخل أو هذا سؤال-مدخل لنظرية جديدة في التفسير والتأويل.
العلاقة بين المطلق والنسبي وبين المتعالي والمحايث علاقة مربكة للعقل العجول. ولا يقطع فيها لصالح إحدى طرفيها إلا من كان له في رأسه دماغ عُجول.
المتشدد الديني يضحي بالنسبية وبالمحايثة وبالواقع وبالإنسان والإنسانية والثقافة من أجل ما قدر عقله القاصر ضرورة وبشكل مضاعف، مرة بما هو منتسب للنوع البشري القاصر جملة عن إدراك عالم الغيب، ومرة بما هو منتسب لجماعة الجهل المقدس، عن استيعابه عن المطلق والمتعالي.
أما المتشدد البروفاني (العلماني المدنِّس للمقدس) فإنه يضحي بما هو جوهر كامن فيه (نفخة الروح الإلهي) لصالح عرض زائل يحسبه ماء يروي ظمأه للحقيقة، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه.
أما العقل الحائر، والمؤمن المطمئن لا اطمئنان السذّج ولكن اطمئنان الشهود بقصور العقل عن إدراك ما ليس من طوره، والشهادة على ما استقر في وجدانه من معاني الفطرة الداعية للإيمان برب الأكوان، فإنه يُشغل عقله في معاركة اللبس القائم بين طرفي تينك الثنائيات المحرجة حتى تلين له عريكتها.
لنضرب مثالا عن ضرب المعالجة التي نقترحها. إذا كان الإنسان هذا الموجود في العالم بحضوره الجسدي المادي، بما في ذلك دماغه ووظائفه الفيزيولوجية وما ينتج عنها من ردود أفعال عاجلة أو مؤجله أو من أفعال ذهنية gestes mentaux بحسب تعبير De La Granderie (Antoinne) هو الآية الكبرى على اجتماع الروحي والمادي بشكل متعين في الطبيعة بدرجتيها: الغفْلُ، والمعمورة، بفعل العمران البشري، فإن بقية الآيات التي جرت على لسانه واستوعبها جنانه وفق قواعد بيانه (لسان عربي مبين) أولى وأحرى أن يُسلّم باجتماع "المفارقين لبعضهما" فيها اجتماعا لا ينحلّ (انحلال التماهي) أحدهما في الآخر ولا ينحل (من الحلول بمعنى الاشتمال الكامل إلى حد الانحلال) أحدهما في الآخر (نتعمد التكرار لتجنب الغموض في فائق التركيب) حتى وإن تنزل الأول في الثاني تنزل القول في السياق (وهو مناسبات النزول الخاصة أو ما اصطلح عليه بأسباب النزول، أو مناسبة النزول العامة التي هي لآيات الابتداء التي تتضمن رسالة الهداية عامة).
كان لا بد من من وضعيات انطلاق دالة في منشئها الأول على الأقل حتى تقدم الدروس الكبرى للبشرية من خالقها على لسان أحد مخلوقاته الذي "إن تقوّل عليه بعض الأقاويل لأخذ منه بالوتين". وهذا هو البعد البيداغوجي (الديداكتيكي بعبارة أدق في الوحي). ولكن ديماغوجيي الحداثة المُحدثة (المبتدعة في غير إبداع) في هذا الدين لا يدركون هذا البعد البيداغوجي في الوحي وفهموا منه قصورا هو في عقولهم وليس فيه هو. ومن هنا جاءت دعوة بعضهم إلى "إعادة النظر في بعض الآيات"...فكيف يُعاد النظر في ما هو بمنزلة "آية" أي علامة، وعلامة فقط لا يعقلها إلا العالمون، علامة تدل على ما وراءها من عظيم القصد والمعنى.