مدرسة الفوضى/مدرسة المشاغبين

Photo

يعيش المدرّسون هذه الأياّم محنة نهاية الدّراسيّة، فلقد استطاعت كلّ القوى الخفيّة المسيّرة للحياة المدرسية أن تجعل الأسبوع الأخير حفلة شيطانية، فيخرج المتعلّمون عن كلّ الضوابط، و ترى العربدة في كلّ زاوية، و تعاين العين الحزينة عراكا مستميتا بين فلذات الأكباد. و لا تسأل عن الطاولات فهي مدرّجات كروية، و الجدران تحوّل لونها الأبيض إلى أصفر و أحمر رسمت عليها خربشات حوت كلّ كلام مشين و عبارات مسيئة لمن كاد أن يكون رسولا.

عذاب عذاب

يسافر المدرّس إلى قاعته وهو يمنّي النفس بالعودة سالما إلى دراه و أولاده، فالمتعلّمون قد تعطّلت في أذهانهم لغة الكلام. وهم مستعدّون للنزال الثنائي أو الجماهيري. فالفرجةshow أصبحت من مميّزات العصر. فلا تغضب إن شاهدت مدرّسا "يحزّ" أو " يطأطئ رأسه من حجر جانح. المهمّ أن يقع تصوير مشاهد مضحكة عن "حكاية" تخلّد ملحمة الأبطال الدنكيشوتيين".

كان زمان........

تستعيد ذاكرتك مشهد نهاية السّنة الدّراسية في الماضي البعيد، و تأتي إلى عينيك تلك الكرّاسات الّتي يدوّن فيها المدرّسون كلاما ناعما للمتعلّمين، و يلحّ عليك الزمن بتذكّر التقدير العالي للمدرّسين، فلقد كنا لا نمشي وراءهم، و لانفكّر في الاقتراب منهم، وكنّا نبادلهم الابتسامة الحارة كي نلقى النظرة الهادئة. كانت خيالاتهم تكفي بأن نفكّر بأنهم من الملائكة و ليسوا من البشر. تنتهي السّنة و كلّ مرارة نحملها تتحوّل إلى حلاوة اللقاء من جديد.

ما بين الأمس و اليوم

مدارسنا اليوم تحوّلت إلى حلبات مصارعة، فلا نظام يضبط سلوك المتعلّمين، و لامرافقة تخفّف من هول العنف القاتل، و أصبحت القاعات فضاء ساخنا ينتظر تنفيسة الجرس كي ينطلق العدو نحو المجهول. ماذا تغيّر بين الأمس و اليوم؟ هؤلاء المتعلّمون أباؤهم مرّوا من تلك البقاع. ولم يكن يحدث ما يقع من تدمير لكل جميل في جنّة المعرفة. و مدرّسونا أضحى فراقهم للمتعلّمين أمرا مستعجلا، فالتعلّم انتفى مع سوء السّلوك وإرادة الإيذاء و التعدّي.

سلاما سلاما

ماذا نطلب من المدرسة؟ يبدو أنّ أهم طلب هو نشر روح التعايش السّلمي في المدرسة. فالأمن التعليمي أضحى حاجة متأكّدة. فالمدرّس الّذي يذهب إلى المدرسة كي ينير دروب المعرفة في أذهان المتعلّمين، و يقضي على الجهل، و يبيد العصبية، و يئد النعرات الجهوية، و يقاوم الميولات الفاسدة يحتاج إلى مشاركة من جميع الأطراف. و إلقاء المتعلّمين في جحيم اللامبالاة سيعود بنتائج قاتلة للمجتمع.

ضعف القيم

يمكن أن نعتبر أنّ المدرسة بحالته السّابقة هي صورة مصغّرة لحالة الانهيار القيمي في المجتمع، فالأسرة لم تعد بقادرة على بناء رصيد قيمي قوامه الاحترام و التنافس و تبادل الخبرات و التعاون.

و عجزت المدرسة بدورها عن تزويد المتعلّمين بتلك القيم. و أصبحت الفضاءات الافتراضية و العلاقات المشبوهة و المهلكات السّائلة و المدخنة تؤسّس لمبادئ التعالي و الحظّ و العنف. و تجعل المتعلّمين فريسة أوهام النجاح الكاذب و الثراء الهشّ و البطولة الزّائفة.

ما السّبيل؟

نحن نحتاج إلى مدرسة الإيمان، أن نؤمن بأننا في المدرسة نبني إنسانا، و ليس رقما نسجله في دفتر المناداة. أبناؤنا هم ضحية تصوّرات جعلت من المدرسة بورصة شغل و فضاء ربح سريع. لا يمكن أن يتغيّرحال المدرسة مالم نعرف أن السّكون و إلقاء التهم على الغير لن يفيد. يجب أن نؤمن بأن المدرسة فضاء صراع بين هرطقات الشّارع و الموجات الإعلامية الكاسرة و قيم الولاء للوطن و العمل على إعلائه و الامتلاء الرّوحي الّذي يحقّق الطمأنينة و يبعث الصّبر على براعم المستقبل.

ما لم نفهم أنّ مواجهة التهديدات للمدرسة يكون بالعمل و التوعية و الحوار فإننا سنخسر نعم سنخسر.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات