ميزان العقل/رزق البيليك

Photo

عرفت البلاد منذ استقلالها أزمات إقتصادية عاصفة، و لا شكّ أنّ تجربة التّعاضد كانت أسوأ فكرة أدخلت الاقتصاد و الشّعب في دوّامة المجهول. رافق ذلك المنوال التنموي الجديد ممارسة استعجالية قاطعة لكلّ صلة مع العمل الحرّ و الطّوعي و المسؤول. و ساهمت تلك الأفكار المستوردة و المنبتة عن طبيعة المجتمع في تداخل محورين: وهما الملك العام و الملك الخاص. و استفاد كلّ طرف بطريقته من عنجهية التنفيذ. فوقع حجز الأغنام و الأراضي، و انتظمت الملكية في شكل تعاضديات اشتراكية، و نشأ معها مفهوم شعبي" رزق البيليك" سيكون بذرة الفساد الأولى.

لماذا الفساد؟

يبدو فعل الفساد أمرا محبوبا عند فئة و مرذولا عند غيرهم، و هو يحقّق منفعة و يحرم حقّا. وهذا الصّراع بين صاحب الحقّ و السّاعي إلى الاستحواذ على الأموال العمومية و الأراضي الدولية و المنافع المستجلبة منهما و غيره سباق محموم يتطلّب اليقظة و التنبّه، فالغافل عن متاعه قد لا يجده في سهوه. و الدّولة ليست بخارجة عن هذا المنطق إذا علمنا أنّ أملاكها غير قابلة للحصر و يمكن أن يقع التلاعب بالقوانين لقاء الحصول على المنافع. فهو في نهاية الأمر" رزق البيليك"

الأخلاق لا تكفي

إنّ محاربة الفساد بالأشكال القروسطية المتمثّلة في إشاعة الأخلاق الخيّرة و التي تتوقّف على إيمان الفرد بعدم إيذاء غيره وعدم التفريط في "بيت مال المسلمين" هي أمور عفّها الزّمن. فالمال غير المحصّن سيكون عرضة للنهب قبل المال البعيد المنال. و لقد خلّفت تجربة التعاضد تفكيرا انتهازيا عند بعض الأشخاص فهم سيخسرون عند فقدانهم لأرزاقهم و يسلّمونها للحاكم الغاشم. فلماذا لا يقع الاستيلاء العكسي على أملاك القوي؟

غيمات الفساد.

لا يمكن أن يكون أيّ مجتمع بخارج عن نوايا الفساد الّتي تتحوّل إلى تصرّفات إجرامية يستفيد منها ناقص الكفاءة و عديم المسؤولية، و تزيد الفجوات القانونية من استفحال الطّاعون المارد، فيفرح المواطن بشراء " طريقة رمل" بثمن بخس، و يزهو المهندس بملاليم يسهر بها في الحانات لقاء التساهل في تطبيق الشّروط الفنية. و يستولي جامع صدقات المصلّين على صندوق المال ليصرفه على حورية بشرية. وغير ذلك كثير حتى يصل " اللحمة الحيّة" وهي أموال الصفقات العمومية. فتطوف غيمات الفساد في كلّ اتجاه، و لاتمطر إلا فسادا هالكا لبقاء الحياة الآمنة. المصالحة مع من؟

من سيصالح من؟ إذا كان الفساد واقعا ملموسا، فهل المصالحة ستقضي عليه؟ ومن نهب من العين مباشرة هل سيزداد عطشه أم سيؤنبه ضميره؟. الفساد و المصالحة متوازيان لا يلتقيان. فمن فسد بطواعية أم بإكراه فهو يردّد" المال السّايب يعلّم السّرقة" ومن ستقع مصالحته هل سيقطع عاداته؟ الخسارة الكبرى هي أن نتصوّر أنّ المصالحة هي الحلّ.

العمل للمستقبل

المصالحة هي وقفة سريعة بغاية تحميل المسؤوليات و التجاوز، فما وقع نهبه لن يرجع مهما حاول جهابذة الدروشة. و إدامة الثرثرة حول المال المهدور ضياع لأنّ الفاسد تساعده السّرحات كي يزيد من اغتنام الفرص. علينا أن نفتت بذور عقلية" رزق البيليك" بإشراك المواطنين أنفسهم في مقاومة الفساد. و يفهم المنتفع بالمال القليل أنّ الضّرر سيعود على الجميع. فما يربحه اليوم سيدفعه غدا شقاء و مرضا مزمنا، الفساد ليس عملا اعتباطيا فقط بل هو فكرة جهنمية وجب القضاء عليها بالتحاور وكشف الفاسدين الجدد و طرائق انتفاعهم و ضرره على البيئة الجماعية.

نادرة

حكى لي أحد المهندسين عن سبب إتقان المهندسين الألمان في صناعتهم و إبتعادهم عن الفساد و التصاميم المغشوشة.، فقال : إنّ الصّناعة الألمانية لا تعكس المنتوج فقط ؛بل روح الشّعب الألماني.

علينا أن نحكّم ميزان العقل، ونمضي فمن نام في جبة القصاص من الفاسدين دون إصدار قوانين رادعة جديدة سيفيق يوما وهو في مزاد علني لبيع الوطن.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات