بلادنا في عين المفكّرين

Photo

تنوّع الجغرافيا.

حضرت البارحة ندوة فكرية، وكان الحاضرون من بقاع العالم، فلم يمنعهم بعد شمال إفريقيا عن القدوم إلى بلدنا. و تحوّل النزل الفخم إلى خيمة جمعت الأندونيسي مع البريطاني و الماليزي مع الفرنسي و الأمريكي مع البنغلاداشي و الإيطالي مع الجزائري، وغيرهم كثير ،فألفيت نفسي في مجرّة دوارة تخرج كلّ لحظة مفكّرا ينطق بتحاليل تسحر الأسماع.

لغة التواصل.

و أنت تضع سمّاعة التّرجمة تنسى أنك عربيّ اللغة، فالحاضرون اختاروا لغة شكسيبر، فتكلّم بها المفكّرون بطلاقة، و تبادلوا وجهات النّظر برهافة الاحترام و قداسة التقدير. استمعت إلى أبناء بلدي وهو "يورورون" بلغة العصر. لم تمنع اللغة من ظهور الخلافات في الرّؤية، ولكنها ساعدتهم على كشف بواطن رؤاهم المتناقضة. ما يسرّ له حقيقة هي قدرة المترجمين على تقديم خدمة الترجمة الفورية في جزالة اللغة العربية أو الآنقليزية.

إشادة بالبلد.

لم يفوّت المتدخّلون الإشادة ببلدنا، و نشروا في قاعة النزل الفخمة عطر المحبة و الألفة، فيبدو أنّ هوءانا ينعش الضّيوف، فيجعلهم يلاطفوننا بكلام ناعم يصدر عن وقائع يلامسونها عند النزول من الطّائرة حتى وصولهم النزل و إلقاء التحيا اللطيفة. قالوا فينا مالم يقله مالك، فهم يحسدوننا على انسجام المجتمع، و يغبطوننا من انتشار الوعي بالمشاركة في الحياة، و يتحدّثون بإسهاب عن تجاوزنا لمشاكلنا السّياسية و الاجتماعية بالتّمسك الشّديد بالدولة و أجهزتها.

السّياسة الغول المقنّع.

أجمع الحاضرون على أنّ النقيصة الأساسية في بلادنا هي عجز السياسيين على توحيد جهودهم قصد إبعاد شبح الانهيار الاقتصادي. وهو يرون أنّ التّشتت الأيديولوجي ليس علامة صحّة؛ بل هو علامة خسران للمشروع الدّيمقراطي. و يمكن تجاوزه عند الانتصار إلى أحقيّة المواطن في بيئة سياسية تترفّع عن المهاترات "الفرفاشية" و تحرص على تصوّر مشروع مجتمعي يجعل المواطن مشاركا و مبادرا فعليا غير منتظر للتعليمات أو التوجيهات أو التوقّف في الروابي لانتظار المنح البلوشي.

وجهة المشروع.

تحدّث مفكّر من بنغلادش عن معاناة أبناء وطنه، فهم ممنوعون من كلّ شيء، و رأى أنّ بلدنا تجاوز تلك المحنة، وعليه أن يبادر إلى جمع كلّ طاقاته كي ينتقل من دولة مديونة إلى دولة دائنة تقرض جيرانها الحرّية و الدّيمقراطية و الاقتصاد التشاركي الّذي يرتكز على المبادرة المسؤولة.

مشاريع النجاح.

كانت ماليزيا علامة مضيئة في هذا المحفل، فنقل عضو برلمانها تجربة بلاده للخروج من ربقة الفقر القاتل و الجهل الخانق، و بيّن أنّ المشروع المجتمعي الماليزي تأسّس برغبة من رجال سياسة آمنوا بحق المواطن الماليزي في العيش الكريم. كيف؟ تمكنوا من إنجاز المعجزة الماليزية فسّره بحبّ التنافس و العمل و توحيد الجهود و بغض الجهالات و النعرات. و كانت القوانين تساير تقدّم البلد. فقط المواطن هو الأساس في تصوّر المشاريع و العمل على تحقيقها و تعديل المسارات عند الضرورة، وعرّج على مسألة الأخلاق نعم الأخلاق.....

الإقلاع المجتمعي.

انفلتت من صدري زفرة، و أنا أستمع لتجارب الأمم. و لم أشأ أن أحدّثهم عن عصابات قطّاع الطّريق التي تحرّكها الأيديولوجيات العمياء ، و لم أعلمهم بانحدار قنوات الدعارة بأخلاق المجتمع إلى مزابل الرّذيلة.

سكتّ، وفي صدري وجع و في عقلي صداع مؤلم. متى تتوحّد الجهود. وننسى خلافاتنا "الفزغولية"؟ متى يكون عندنا رجال سياسة يكون شاغلهم الجمع و توجيه الجهود نحو مستنقعات الفساد كي يقع تطهيريها؟ متى تجتمع نخبتنا حول مشروع يكون هدفه الإقلاع بالمواطن في أخلاقه و تعليمه و عمله و وعيه؟ متى؟ ومتى سننتظر؟

فهم قالوا إنّ بلدكم ليس شبيها بغيره من بلدان تزحزح عنها الاستبداد، وعاد، فهل يقتلع مغروس الفساد ونزرع بدلا عنه بذور العيش المشترك الآمن و العمل المنتج المتبادل.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات