زرت اليوم العاصمةـ و رأيت تمثال الزّعيم الخالد الحبيب بورقيبة، شعرت أنّ الرّجل مازال يستمع. و أردت أن أشكو إليه حال التعليم في بلدي، فقلت له:
سيدي الحبيب، لقد فتحت في أوائل الستينات المدارس في الفيافي و القفار، وكنت تقول : تعليم العقول يثبت الأجساد في قراها و يفتح لهم أبواب الرزق". كان المعلّمون يعملون بحماس المنتقم من الجهل و المؤمن بحقّ البقاء في تلك المناطق النائيّة. فحافظت تلك المدارس على أهلها، و تواصل نسلهم، و أمن عيشهم.
أمّا اليوم، سيدي الزّعيم، لقد اختاروا أن يغلقوا مدارسك، و يرحّلوا عنها أهلها. فالمال الّذي وضعته تحت قدمك أصبح موجّها للاقتصاد فيه و البخل بصرفه في تربية مواطن يشكو وحشة المكان و قسوة الزمان. فالإنسان في بلدي أضحى واجهة ليست لها عنوان.
سيّدي الرّئيس،مدارسك الشّعبية لن يرتادها أبناء الشّعب الزوّالي، بل ستصبح خرائب يسكنها البوم و تنعق فيها الغربان. و تضع فيها أنثى الثعبان صغارها كي يتوحّش المكان، فالمدرسة ما عادت طاردت لسمّ الجهل؛ بل أضحت محضنة لوحشية الذّئاب و الثعالب و الضّباع.
سيّدي الرّئيس، لن نشكو ذوي الجهالة العمياء إلاّ لقائد وهب عيشه و فكره و مشروعه لمحاربة غول الجهل. فهم لم يفكّروا كيف يحافظون على مدارس أخرجت أفذاذا، و ساهموا في نماء البلاد. ولكنهم ما ظنوا أنّ الزّمن يدور و يصبح التفكير بمقاسمة الفقير كسرة الخبز و شمعة المعرفة.
واصلوا رقصكم الجنوني نحو تحويل محاضن العرفان إلى خرائب البهتان. فاليوم لكم القول الفصل و غدا سينتقم الشّعب من كلّ من حرم أبناءه من لذائذ المعرفة و سلطان الحجى.