دواليب الفساد
انتشرت هذه الأيّام أحاديث حول خطورة الفساد على حياة المواطن. و انطلقت المؤسسات الرّسمية و الجمعيات المدنية في الدّردشة حول مواطن الفساد و انتعاشته القصوى. فهو ينمو و يتطوّر في ظلّ السّكوت و "تطفية" الأضواء القانونية. فتعمل دواليب الفساد في حركة نشطة كي تهدّ جيب المواطن و مستقبل الأجيال.
المثل الدّارج
في بلدي لا يتحرّك الفساد إلا بوجود أمثال تدعمه، فللأسف العقل الشّعبي السّاذج مازال يغذّي الفساد، ولعلّ أهمّ تلك الأمثال" أخطا راسي و اضرب" هذا المثل يجعل المعادي للفساد في حرج. فهو يجبره على الخنوع و الاستسلام لقوى وهمية خفيّة، و أمّا جحا فقد ترك لنا مثلا شهيرا، وهو" قالوا له حريقة في دار الجيران، قال:موش مشكل الفايدة ماهيش في دارنا" و خطر هذا المثل أنّه يؤسّس للأنانية التي تظهر في موقف غير تعاوني مع غيره. ولعلّ صيغة التّصغير الصرفية لا تجد لها رواجا إلاّ في "مشّي قهيوة".و أماّ المستفيدون من الفساد فيردّدون المثل " كان موش من عماهم ما نعيشو معاهم".بهذه الأمثال وغيرها ينتشر سوس الفساد بين الناس.
الفساد طاعون هالك
لا تسمع أنين الفساد إلاّ عند ضياع مال شخص لقاء تحيّل وقع عليه. فيتحدّث بلوعة عن استغلال سذاجته و تعمّده تجاوز القانون فيخسر مرتين. ولن تجد فازعا من الفساد إلاّ ضحاياه، فهم وحدهم قد شربوا من سمّه، و دفعوا من مالهم و أعصابهم و حسرتهم قدر استرخاصهم لحقّ وطنهم عليهم. و لاتجد أوراقهم النفاذ في الأحكام، فهم في حالين أحلاهما مرّ، فإمّا فراق لحقّهم، أو لحاق يعود عليهم بالوبال و المساءلة.
ماذا بعدّ؟
إذا كان الفساد "تدبير راس" عند البعض، فهو غنيمة ربحية غير قابلة للتقدير. وهو خسارة غير قابلة للتعويض لميزانية الشّعب. وصحيح أنّ المواطن يحقّق منفعة قليلة؛ ولكنها تعود على المجموعة بدمار شامل للمصانع و المؤسسات الإدراية و الخاصّة. ومازال المواطن يتعامل مع هذه الآفة الشّاملة لكل مجالات الحياة بطفولة عقلية غير واعية.
ما العمل؟
ماذا لو فهم المواطن ربحه من إعدام الفساد؟ سيقضي بسلوكه المتحضّر على مستنقع الفساد، فالواجب يفرض أن يقع توعية المواطن بمخاطره التي تظهر في شرائه علبة شوكولاطة بنقص 200مليم أو حذاء من الفريب ب10دنانير أو بلازما بحفنة ملاليم. فيفهم المواطن أنّ ذلك ساهم في بطالته و دوام فقره و غلاء معيشته. مقاومة الفساد لا يمكن لها النجاح ما لم يشعر المواطن بخطرها الحقيقي - ومهما كانت الهيئات صارمة فإنّ ماكينة الفساد أقوى من الطابور الخامس. المواطن هو الوحيد القادر على خلخة أركان الفساد وزوال أسبابها.