كرم رمضان

Photo

رمضان كريم، عبارة تخطت حدود الزمن وتناقلتها الأجيال، خرجت عن كونها مجرد تهنئة بالشهر الفضيل لاختصار معان كثيرة مرتبطة به دون باقي الأشهر، فكرم رمضان وكرم البشر فيه أصبحا مضرب الأمثال في ما يشبه كرم حاتم الطائي.

فالتعاطف مع الجميع أهم مظاهر الكرم حتى بين المتخاصمين، فتبدأ دعوات التسامح والصفح الجميل عن الأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة، ويستثمر كرم الأخلاق في العفو.

وأعذب مظاهر الكرم “شنطة الخير” وهو مصطلح متعارف عليه بمصر وينتشر في شهر الصوم، تلك التي يعدها بعض ميسوري الحال محملة بخيرات الله من سلع تموينية واحتياجات ضرورية للأسرة كالأرز والسكر والزيت وغيرها، وتتبارى فيها الأسر من حيث جودة السلع وكثرتها وتنوعها ووفائها بالاحتياجات الضرورية أو سلع رفاهية وتعد مقياسا للخير والكرم في الشهر الكريم.

رغم موجة الغلاء التي أحرقت مواطنين وبسطاء وضربت جميع السلع في مقتل وأصابتها بالضربة القاضية، إلا أن التكافل الاجتماعي مازال يلاحق البعض ويقضي على حزن “المطحونين” ويمسح دموعهم لعدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الأسرية.

نساء كثيرات نظمن في ما بينهن ما يشبه الجمعية الخيرية وقمن بتدوين أسماء فقراء أحيائهن أو الأحياء المجاورة وسؤالهم عن متطلباتهم، ومن ثمة شراء السلع بالجملة لتوفير حقائب بلاستيكية تحوي كافة الاحتياجات، وكذلك تجمعات من الشباب على شكل فرق لتوزيع المشروبات على الطريق لمن أدركه موعد الإفطار خارج بيته سواء لظروف عمله أو أي من الأسباب، وموائد الرحمن المنتشرة على طول الأحياء ورؤوس بعض الشوارع.

الجميل أن ترى على ناصية شارع رئيسي صندوقا خشبيا كبيرا معلقا على حائط ومكتوبا على لافتة ملصقة به “طعام نظيف، خذ ما يكفيك واترك لأخيك”، أو يستمع معدم لبضع طرقات على بابه ليفتح فيجد حقيبة مليئة بملابس نظيفة وأدوية يحتاجها بالفعل من متبرع تجرد من الرياء وأخفى نفسه حتى لا يجرح فقيرا بصدقة متشبها بموسى عليه السلام “فسقى لهما ثم تولى إلى الظل”.

وقفت بعيدا أرقب بحذر “معدما” أتى أحد صناديق الطعام ليلتمس منه ما يسد رمق صغاره، وكانت بعض علب بلاستيكية مغطاة ومملؤوة بالأطعمة الجاهزة للأكل مباشرة وفي طريق عودته صادف عامل نظافة يبحث بين القمامة والنفايات عن بقايا طعام تسد جوعه، فناوله ما كان يحمله من طعام بابتسامة رضا أسعدتهما معا.

البعض حين يحسن لفقير أو يعطي سائلا يطالبه بالدعاء له وكأنما يبتاع منه دعوة بهذه الصدقة، ويبدأ “أوكازيون الدعوات”، فمن يدفع أكثر ينال المزيد من الدعوات الصالحة بالبركة في المال والولد وسعة الرزق وكل حسب جزله العطاء.

حتى المتسولون يجدون مكانا في شهر الكرم، بل يعتبر شهرهم الأكثر سخاء، فتغمرهم قمة التعاطف والتودد في هذه الأيام دون غيرها وإن لم يحظوا بعطاء فلا يتعثرون بزج ولكز.

أكثر ما يبهج عيني مشاهد الصبية والفتيات الصغار بملابس الصلاة يشاركون الأهل في توزيع حقائب الخير الرمضانية التكافلية ووقوفهم على أبواب المساجد لتوزيع التمر واللبن والحليب على المصلين طمعا في الثواب، ورغم ما تتكبده الأسر المصرية من عناء وأزمات مالية إلا أنها دعت الأهل والأصدقاء إلى ولائم رمضانية معلنة “البط البلدي والمحشي راعيا رسميا للوليمة”.

(ما أجمل أن نغرس في صغارنا حب الخير والعطاء الجميل) وما أجمل أن نستبقي كرم رمضان في نفوسنا طوال العام، وكل عام وأنتم بخير، صباحكم عطاء ورمضانكم كريم.


رابعة الختام: كاتبة من مصر

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات