بكالوريا محنّطة
تضع جميع المنظومات التربوية محطّات تقييمية لمراقبة مكتسبات المتعلّمين، و يحرص بعض المقرّرين البيرقراطيين للشأن التربوي على تقرير امتحانات متجمّدة تكون غايتها الفرز وليس التقييم الحقيقي للمعرفة المكتسبة عند كل متعلّم. ولا شكّ أنّ امتحان البكالوريا بالشّكل التقليدي الّذي لازمه منذ عقود صورة محنطّة للسماح للمتعلّمين بمواصلة تعليمهم في شتى السّبل.
النّجاح العددي
مازال امتحان البكالوريا يعطي قيمة كبرى للزجر العددي، فالأعداد- تلك العادة الغبية- هي من تحدّد الناجح من المرفوض. و أمّا مجهود المتعلّم خلال السّنة و تمكّنه الحقيقي من امتلاك المعرفة فلا يمكن الإشهاد له به ؛ بل ورقات محبّرة -خلال مدّة مقننة زمنيا - يكتبها بحضور مراقبين يمكن أن تكون جواز سفر أو لعنة الرّفض من الوصول إلى التعليم العالي. هذا النوع من التقييم الجزائي له مطاعن عليه أساسها نجاح من لا يستحقّ بفضل نوعية من الأسئلة المغلقة التي يكون الحظّ فيها جانب كبير.
الفشل المعاين
أصبح المقرّرون يخصّصون مساحات زمنية كبيرة للحديث عن ظاهرة الغشّ، وهي من العلامات السّوداء، و لم يعد المدرّسون يجدون راحة في مراقبة متعلّمين يمكن أن يصدر عنهم في أي وقت تصرّفات سلوكية مؤذية و لا تنسجم مع رسالة المدرسة في إعلاء الأخلاق الفاضلة المكانة الهامّة.. وهي علامة سوداء ثانية. و لم تعد الامتحانات من حيث المعرفة التي يقع اقتراحها للاختبار بعاكسة لقيس دقيق للمكتسبات؛ بل تلاحظ العين المجرّدة خروج المتعلّمين أفواجا قبل انتهاء الزمن المفترض لإنجاز الامتحان. وهي علامة سوداء ثالثة.
لماذا البكالوريا الآن؟
لماذا أبقي المقرّرون على هذا الشّكل التقليدي للتقييم الجزائي إلى حدّ الآن؟ هل التّفكير في بدائل تقييمية إجرائية تضمن تكافؤ الفرص أمام المترشحين موجود؟ أسئلة كثيرة ربّما تعجّل بالتفكير في تصوّرات بديلة عن نمطية ممجوجة من إعداد الامتحان و إنجازه و إعلان النتائج. فلقد أصبح الأولياء في ريبة أمام معاينة المستوى الحقيقي لأبنائهم. و من الطّرائف أنّ متعلّما ناجحا في البكالوريا لا يحسن كتابة ألفاظ بسيطة. فهل حقّا يعكس النجاح في البكالوريا مستوى الكفايات المستوجبة؟
ماذا نريد من البكالوريا؟
يقاس النجاح المعرفي للمنظومة التربوية بقدرة خرّيجيها على أداء مواقف أو أعمال في سلاسة عالمة ترجع خبرتها إلى تكوين معرفي تعليمي تعلّمي في المدرسة يقطع مع الاعتباطية و الارتجالية و اللامبالاة.
هذا المتعلّم الّذي يكتسب خبرة معرفية ومهارية ومواقفية عاقلة يمكنه أن يتجاوز جميع الأحداث الطّارئة أو الخطيّة في اقتدار سليم. و يمكن أن يساهم المتعلّم في تنمية ذاته و بلاده، و لايخرج امتحان البكالوريا عن هذا الهدف الشّامل، فهو محطّة نهاية مسار تعليمي طويل13سنة(6 سنوات ابتدائي/3 سنوات إعدادي/ 4ثانوي(. فهل يمكن مراجعة هذا الامتحان و البحث عن صيغ إجرائية بديلة؟.