حضره 6 وزراء ببدلاتهم الأنيقة وما عندهم من ابتسامات، وهم على التوالي وزير المالية ووزير التربية ووزيرة السياحة ووزير الصحة والوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والناطق الرسمي باسم الحكومة (لست أدري إن كان نيابة عن الحكومة برمتها) والوزير المستشار الأول لرئيس الجمهورية (ربما نيابة عن رئيس الجمهورية)، إضافة إلى عدد آخر من المستشارين والسياسيين على رأسهم قايد السبسي الابن قائد حركة نداء تونس الحزب الأول في البلاد. مع ما يستوجبه حضورهم جميعا من استنفار أمني وحراسات مشددة.
هو حفل تدشين حقيقي، ولا يجب أن وحي بأنه مقطع في مسرحية هزلية، حتى وإن كان الأمر يتعلق بتدشين مقهى، فقد حضرته وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وربما المكتوبة أيضا (في انتظار تعليقاتها وتحاليلها)، وجيء بالحسناء الشقراء والشريط الأحمر والمقص، وحضر التصفيق وتبادل التهاني بأصدق الأماني وتوزيع المشروبات بألوانها مع مراعاة الشهر الفضيل، فقط غابت الزغاريد ويحيا السيد الرئيس.
ولم يترك المسؤولون الكبار هذه المناسبة الفريدة والسعيدة تمر دون أن يدلوا بتصريحات مسهبة أمام الكاميرات حول أهمية مشروع القهوة العربي التي دشنوها ودورها في التشغيل وتشجيع الشباب وعودة السياحة وأهمية التراث الخ الخ. كما لو أن الأمر يتعلق بتدشين ميناء عملاق يشرف على حوضي البحر المتوسط أو حتى مشروع مصنع لتكرير النفط أو تحلية مياه البحر.
والحقيقة التي لا يجب نكرانها أن هذا "الحدث" لا يخلو تماما من رمزية، بحجم حدث تاريخي وطني، يكفي أن نعرف أن ببلادنا ما يفوق العشرين ألف مقهى، أي بمعدل مقهى لكل 600 نسمة، بما في ذلك من أطفال وعجائز ورضع في المدن والأرياف، رقم يجعل بلادنا تتصدر بقية بلدان العالم في نسبة المقاهي إلى عدد السكان، وبالتالي فإن تدشين مقهى جديدة من قبل الطاقم الحكومي المشار إليه يعتبر ذو أهمية بالغة، فهو يكرس هذه المكانة العالمية، كما أنه يتضمن اعترافا للمقاهي بالدور الكبير الذي تقوم به في الترفيه عن الشباب وتبديد طاقاتهم، وإضاعة أوقاتهم في ما لا يعني وإبعادهم عن كل أنواع الانحراف بما في ذلك المطالبة بالشغل. دور عجزت على سد جزء ولو بسيط منه دور الشباب ودور الثقافة وحتى المنظمات الشبابية العريقة بما في ذلك الجمعيات الرياضية وما لها من جماهير الملاعب..
بطبيعة الحال يمكن لذوي الألسن الخبيثة أن يعتبروا هذا المشروع ثاني أكبر إنجاز قامت به الحكومة في أقل من نصف شهر بعد نصب تمثال بورقيبة وحصانه في غرة جوان، ويمكن للسان حال أصحاب المعالي من وزراء ووزيرة أن يقول: "أن تدشن قهوة أفضل من أن لا تدشن شيئا"، إلا أن تدشين مثل هذا المشروع في مثل هذا الوقت الذي تحتضر فيه حكومتهم، يجعله بمثابة حفل توديع، وهو على أية حال لا يجسم هيبة الدولة، وإنما هزلت.