قنوات وطبق واحد

Photo

منذ ثورة 14 يناير 2011، لم يعرف المشاهد التونسي طفرة عدديّة من حيث كمّ القنوات التلفزيونية كالتي يشهدها اليوم، وهو ما انسحب أيضا على عدد الإذاعات الخاصة التي عمّت كلّ محافظات البلاد، حتى باتت لكلّ محافظة إذاعتها الخاصة، بل ونجد في بعض المحافظات أكثر من إذاعة.

هو إعلام القرب الذي عمّ مُحافظات تونس الأربع والعشرين، وهي ظاهرة صحيّة تدعو إلى الفخر، لولا نمطيّة البرامج المُكرّرة والمُتشابهة حدّ الاستنساخ في جلّ، حتى لا نقول كلّ، إذاعات “أف أم” المُنتشرة هنا وهناك وما بينهما، أيضا.

ومن الطبيعيّ أن تعرف هذه الإذاعات وبخاصة منها القنوات التلفزيونية ذروتها البرامجية والإعلانية في شهر رمضان الذي شارف على منتصفه، فتعدّدت المسلسلات والسيتكومات، من حيث العدد، لكنّها تشابهت في المحتوى سواء منها الدرامية أو الهزلية، ولو بنسب متفاوتة قليلا.

في الدراما، طلع بدر رمضان علينا هذا العام بأكثر من مسلسل تونسي -وما صاحبها من لهجات بلدان الجوار القريبة أو البعيدة على حدّ سواء-، بخمس قنوات فقط آثرت إنتاج الجديد من المسلسلات، وهي تباعا “الوطنية 1” التي تعرض حتى نهاية رمضان الجاري مسلسلها اليتيم “وردة وكتاب”، وقناة “الحوار التونسي” بمسلسلي “أولاد مفيدة 2” الذي يتم بثّه حاليا، و”فلاش باك” المُرتقب عرضه في الجزء الثاني من الشهر الدرامي الأكثر مُتابعة في العائلة التونسيّة، كما تقدّم قناة “حنبعل” الخاصة حاليا مسلسلها التونسي-اللبناني “الأكابر”، في حين غامرت قناة “نسمة” الخاصة بدبلجة المسلسل التركي “بين نارين” فتوْنسته أسوة بنجاح مسلسلها السابق “قلوب الرمّان”.

أما في خصوص المسلسلات الهزليّة، فقد أتتنا “الوطنية 1” بسيتكوم “العيلة شو” الذي لا يمتّ إلى الهزل بأيّ صلة لا من قريب ولا من بعيد، وقدّمت لنا “الوطنية 2” سيتكوم “الكاستينغ”، وهو بالمناسبة الإنتاج الوحيد للقناة التي ظلّت تجترّ نجاح مسلسلاتها السابقة كمسلسل “الخطاب على الباب” بجزأيه، وسيتكوم “شوفلي حل” و”الوتيل” (النزل).

وفي المقابل استمرت قناة “نسمة” في حلب سيتكومها التونسي-الجزائري الممجُوج “نسيبتي العزيزة” في جزئه السادس وطعّمته بسيتكوم آخر بلا لون ولا طعم ولا رائحة عنوانه “هاذوكم” (أولائك)، وقدمت قناة “الحوار التونسي” سيتكوم “دنيا أخرى”، وراهنت قناة “التاسعة” على الجزء الثاني من سيتكوم “بوليس حالة عادية” بعد نجاح الجزء الأول منه، وأرفقته بسيتكوم ثان حمل عنوان “الرئيس”.

واقتحمت قناة “حنبعل” السلسلات الهزلية هذا العام بسيتكوم “أومبوتياج” (زحمة طريق)، لنخلص إلى أن السيتكومات تفوّقت من حيث العدد -لا العدّة طبعا باستثناء سيتكوم “بوليس حالة عادية”- في القنوات التونسية الخمس على المسلسلات الدرامية، وهو أمر مفهوم على اعتبار أن الفارق شاسع بين تكاليف إنتاج مسلسل درامي وسيتكوم هزلي.

ووفقا لما سبق، نخلص إلى أن الخيط الرابط بين كلّ المسلسلات الدرامية والسيتكومات الهزلية على حدّ سواء، يبقى وللأسف، كمّ العنف الهائل الذي رافق جلّ الإنتاج الدرامي التونسي لهذا العام، والذي سبقه أيضا، وكأنّ الصفع واللكم والخنق باتت عناصر لا محيد عنها ضمن أطباقنا الرمضانية التونسية، شأنها في ذلك شأن “البريك” والحساء اللذين لا يغيبان عن مائدة إفطار صائم!

ومع ذلك يبقى هناك بصيص أمل، في دراما رمضان تونس لهذا العام، بعيدا عن العنف والثأر ومشتقاتهما، والذي أتانا من قناة “حنبعل” التي أتحفت مُتابعيها بسلسلة “مدرسة الرسول”، وهي سلسلة درامية تاريخية وثائقية، تتناول في كل حلقة شخصية من الصحابة والتابعين أو القضاة والمصلحين الذين لم تردّهم المصالح الشخصية عن التضحية في سبيل ما آمنوا به، وكان منهجهم سيرة الرسول محمد في أقواله وأفعاله.

سلسلة انبرى للمشاركة فيها خيرة ممثلي وممثلات تونس، دون قيد ولا شرط، بل وبأجور زهيدة، أصلا، لإيمانهم برسالة الدين الإسلامي وما نادى به الصحابة والتابعون من دعوة إلى الإخاء والتسامح وحب الفضيلة وإتيان الحسنات، فسحبت بذلك قناة “حنبعل” البساط من بعض القنوات الداعية إلى الغلو والتعصب في شهر التراحم والتزاحم على فعل الخير، وإن كان استعاريا بالقدوة الحسنة، استعادا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات