سرّ التخلّف
يحتار المواطن في بلدي: كيف يتقدّم شعب و يتأخر شعب آخر؟. و سريعا ما يأتيك زوال حيرة التّأخّر بالهرب إلى جبرية التّخلّف و ديمومة الجهل و رعونة الحاكم. هذا الإله الأرضي لا يأتيه الباطل لا من خلفه و لا من تحته، و هو الّذي يجعل اليوم يجري بحساب ذرات الوقوف بوجه التّفكير الخلاّق. فما يهمّه إلا مشاهدة هامات البشر تغدو و تروح هانئة كالأنعام إلى مرابعها و زرائبها في دعة. وكلّ بهيمة تثير الغبار إلاّ و يقع إفرادها أو ذبحها. فسيدي لا يريد أن يتعكّر مزاج حكمه. فهو قدر الله المختار.
هكذا تبقى الشّعوب متخلّفة أبد الدّهر.
الحاكم الآلة
دائما يتركّز غليان الشّعب في فزّاعة الحاكم المستبد، ولذلك أقصى ما يطالب به الثائرون هو سقوط رأس النّظام، و العارفون بخبايا تسيير الأنظمة يعرفون أنّ ذلك الطّلب سخيف؛ بل هو لا يساوي شيئا في تحقيق ما تصبو إليه الجماهير من الحرّية و العدالة و التّشغيل و مقاومة الفساد.
هذا الاختزال الأحمق في شخص الحاكم يقدّم كهديّة العيد لامتصاص الغضب و انهيار "السيستام"
فالحاكم المستبدّ ليس فكرا، بل هو آلة تحرّكها مجموعة من الدّهاة يحصّنون مواقعهم و امتيازاتهم و بقاء الأجهزة في حالة عمل دون تعطيل مربك.
حرّاس الهيبة
يستقوي النّظام السيّاسي المستبد على المواطنين بقدرته على اصطفاء مجموعة من الطّامحين في الجاه و التّسلط في جميع ميادين المعرفة؛ ويكونون في نفس الوقت غير حالمين بالحكم. هي معادلة صعبة أن تجد مفكّرا يقدر على كبح جماح نزواته في الوصول إلى الحكم و خدمة النّظام السّياسي. ولعل نكبة البرامكة هي المنارة التي يضعها الدّائرون نصب أعينهم،فهم حرّاس الهيبة أو السّلطة دون طمع في نيل مرتبتها العليا. فذلك العمل يتطلّب بناء مشاريع حقيقية أو وهمية تعرض كواجهة يقع تنفيذها بغاية تلميع صورة النّظام وليس خدمة المواطن. و هو يضع حماية النّظام أولوية مطلقة دون حماية المواطن. فالعدو المواجه هو المواطن الّذي يمكن أن يفسد مزاج العمل الصّالح أو الطّالح.
ثورة التواصل المكشوف
استطاعت تلك الخبرات التفكيرية " الخطيرة" على تقعيد أسس حياة سياسيّة تقوم على الولاء ّ لنظام على حساب خدمة المواطن. و انتفعت السّلطة الحاكمة بكلّ فرادة إبداعاتهم، وحافظ أصحاب السّيادة و الأعيان من أصحاب المال على مواقعهم الاجتماعية بالتقدير و الثناء ومراكزهم الاقتصادية بمزيد الرّبح و تكديس الثروات. و ساهمت كلّ مكائدهم المفتعلة في قطع دابر كلّ من اقترب من حرم السّلطة همسا غمزا لمزا أو عنادا، ولكن جاءت ثورة التّواصل، و أفسدت كل تقنياتهم في المغالطة و التزوير و التزييف. فسقطوا إمّا بزوال حاكميهم أو تقادم أعمارهم أو انكشاف عوراتهم الصبيانية.
المواطن الحر المسؤول
يختبئ النّظام المستبّد و زمرة حماته وراء التخويف و التخوين، وهي ثنائية حكمت على العديد من أبناء الشّعب بالجمود؛ وهاهي بطالة أصحاب الشهائد تقوم دليلا على فساد عنصر المفكّرين المتسلطين الّذين ما استجابوا إلى حقيقة الشّعب في التغيّر وتبدّل السياقات المعرفية و الاتصالية. و سقطت مقولات الحزم و الصّرامة و الثقة العمياء في بحور التّسيّب الفاضح و الميوعة الشنيعة و الإشاعات المغرضة.
و لا حلّ للخروج من شرور أولائك المفكرّين الانتهازيين إلاّ بالعمل على بناء مشروع مواطني يعطي الأولوية للذات العارفة القادرة على تشكيل وعي يوائم بين الحقّ و الواجب و المسؤولية.
لا خلاص لنا إلاّ بمواطن يتعلّم في المدرسة أسس التعايش السّلمي و العمل من أجل تقدّم وطنه في كل الميادين. و يحافظ على بلده بالرّوح و الفكر و الشّغل الصّالح.
هي بذور يقدر المثقفون الوطنيون المخلصون على بذرها في الإعلام و التعليم و الاجتماع و الاقتصاد و الفلاحة… متى استطعنا أن نفكّر بحريّة و ندافع عن الوطن بالتوعية اللازمة و كشف الأجندات الخبيثة.