كثيراً ما نقرأ ونسمع عبارات من قبيل: الأدب في خطر. الشعر في خطر. الفنّ في خطر. وهذا يدفع إلى التساؤل عن ماهية الخطر المعمّم، وأيّ نوع من الخطر يكون هذا المداهم الذي يتهدّد كلّ مفاصل الحياة..؟ هل يكون لكلّ جنس خطر على مقاسه يتربّص به..؟ أليس ذلك نوعاً من أنواع النفير العامّ ضدّ الذعر الذي يعيشه أصحاب كلّ حقل..؟
كان الفرنسي تزفيتان تودورف قد أطلق قبل سنوات نداءه التحذيريّ “الأدب في خطر” مشيراً إلى الخطر الداخليّ الذي يتهدّد عالم الأدب، والذي ينتج من ممارسات تسعى إلى عزل الأدب عن واقع الحياة من قبل البعض من الأدباء، ومن هنا يكون الخطر المنبثق من الداخل، ومن قبل مَن يفترض بأنّهم حماة الأدب ورافعو رايته، مثيراً للاهتمام، وباعثاً على التوجّس من التوجّه الغريب في لعبة الأدب وفنّ الحياة.
هناك مَن يصف الفورة الروائيّة العربيّة الراهنة بأنّها تهدّد عرش الرواية وزمنها، المئات من الروايات تصدر كلّ سنة، يندفع أصحابها بأحلام كبرى تراودهم، يزكّيها بريق الجوائز وإغراء الترجمة ووهم العالميّة، وهناك من يعتقد أنّ هذا الكمّ لا يكفل بإنتاج أو تخليف أيّ كيف، لأنّه كمّ يلهث وراء السرعة التي باتت تسِم معظم التفاصيل والأشياء، وهذا يجعل الفنّ الروائيّ العربيّ في خطر، ويفرض الحديث عن مأزق ملمّ به، أو على أهبة الدخول إلى متاهته.
هذا الإنذار يشتمل على نسبة من صحّة ما، ومن مركزيّة في جانب آخر، لكنّه يتغافل عن تجدّد الإبداع الإنسانيّ ولا نهائيته، ذلك أنّ أيّ نوع من أنواع الفنّ لا يكون في مأزق، بل يكون متعاطوه وروّاده دائرين في فلك المأزق المفترض، يظنّون أمانهم متركّزاً في إبعاد مجال تحرّكهم الإبداعيّ عن الناس، واختلاق عوالم نخبويّة يسبغون من خلالها فرادة وتميّزاً على أعمالهم عبر التغطية والتعمية بوسائل من خارج جوهر الفنّ نفسه.
لا يتعلّق الأمر بالاستسهال، ولا بما يغمز بعض النقّاد من كوّة اللغة بوصفهم أنّه “إسهال” روائيّ، بل يتعلّق بمدى الرغبة في التعبير عن الذات من جهة، والوصول إلى الآخر الذي قد يتلقّف العمل بحساسيّة عالية، او بإهمال شديد، وبين هذين الجانبين يكون الانتعاش دافعاً للاستمرار والمتابعة، وقد يكون محبطاً لصاحبه ومانعاً إيّاه من متابعة طريق الرواية الذي سلكه، والذي أربكه ووضعه في خطر الوهم المدمّر.
كما لا يكون أيّ فنّ أو مجال في خطر طالما هناك متفانون يمارسونه من باب الشغف والتوق والنشوة والسعادة، وبذلك يتجلّى كمّ الروايات ضاخّاً مياهاً جديدة في بحر الإبداع الروائيّ الذي يتخلّص من أيّ خطر محتمل بالانفتاح على رحابة الحياة ذاتها من دون قيود أو حدود أو تضليل.