ومال العامّة المخصّص للثقافة يصرف قانونيا لقاء توعية المواطن و ترقيّة تفكيره و تمدين سلوكه. ومابين ما يشاهد من أفلام تلحّ بإصرار على العري الفاضح و أغاني قطوسي المنخوس و مكعبّات لرسوم افهم وحدك ودواوين أشعار ابحث معنا ضاعت الثقافة العمومية. و أصبح اللهث وراء المال البلوشي أفضل من نحت مشروع مجتمعي ثقافي ينهض بالذّائقة العامّة.
"الدّعم" تلك اللعنة الّتي حلّت بعقـل المشاريع الثقافية في البلاد. و جعلت إداريي الثقافة لا يقبلون من الأعمال إلاّ الّتي تشاهد لمرّة واحدة ويقع حفظها بعناية في غرفة الأموات. و يصرّ " المبدعون السّمسارون" على بيان منفعتها، و ضرورة الإكثار من غلّة بركتها؛ وبالرّغم أنّ الكثرة الكاثرة التي تطالب بها فإنّ القليل القليل من يحظى بوصالها، و البقية ترتشف السّباب و تتوكأ بعصى الكسل كي لا تقوم بأي عمل نافع.
ماذا لو يقع حذف هذا الغول المالي؟ و يتغيّر التّصوّر القديم المؤسّس على رعاية الدّولة لمشروع ثقافي نمطي مقنّن إلى مشروع متعدّد الأبعاد ينبني على المشترك الأخلاقي و القانوني و السّياسي.
و تتحوّل الدّولة من رعاية الثقافة المعلبّة الاستهلاكية إلى ثقافة التّنوّع و المبادرة الحرّة و التنافس الأبداعي.
ويذهب مال الدّعم إلى صيانة البنية التّحتية و وضع استراتيجية معمارية من بناء مسارح في كلّ مدينة و مجمّعات ثقافية متكاملة و مركّبات إبداعية مجهّزة بأحدث التقنيات التكنولوجية في كلّ ناحية. و لا يبق أمام المتعلّمين و المدرّسين والمشتغلين بالثقافة إلاّ المشاركة لا على حساب الولاءات الوجاهية و المحسوبية التعارفية؛ بل إنّ الولوج إلى تلك المراكز يكون على مشاريع استثمار حقيقية تخدم المواطن و تقدّم له منفعة روحية و ذوقية و أخلاقية و مواطنية.
مال الدّعم ليس مالا سائبا كي يتحصّل عليه أشخاص ينجزون أعمالا قد تتعارض مع ثوابت الشّعب الأخلاقية و تتنافى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، و قد تروّج لسلوكيّات مرضية تشجّع الانحراف و الإجرام و بروز النّعرات و تهديد السّلم الأهلية.
الثقافة الواعية المتحضّرة تعمل على نشر التّآخي و التّحابب و الفداء و العمل و المثاقفة. و هي المنّصة التي تنطلق منها كلّ المبادرات التّي تجعل تقدّم الإنسان هدفا ساميا.